ثلاثة أشياء تجعلنى لا أفقد الأمل فى عودة مصر اقتصادياً بعد أن عادت سياسياً.. أولها: جدية النيابة العامة فى تحقيق قضايا الفساد.. ثانيها: عودة البورصة اليوم، ودعم حكومة شرف لها قبل شطبها.. ثالثها: وقفة الاتحاد الأوروبى معنا، فى سبيل عودة المليارات الهاربة.. فى إطار ما سماه «ضرورة صياغة سياسة جديدة لدول الجوار».. وكلها مؤشرات جيدة لبدء مرحلة الانطلاق! لا شك أن تهيئة المناخ السياسى تصب فى عملية التنمية الاقتصادية.. وزمان كانوا يقدمون الإصلاح الاقتصادى على الإصلاح السياسى.. وكنا نقول الإصلاح السياسى أولاً.. وأظن أن المسألة أصبحت واضحة الآن.. ومن هنا لا أستبعد فكرة الانطلاق الاقتصادى، وإن أخذ بعض الوقت.. فهناك مؤشرات على حالة من التصالح فى مناخ الاستثمار.. وأصبح هناك حديث عن عودة عمر أفندى للدولة! معنى هذا أن ثورة 25 يناير غيرت المفاهيم وغيرت المناخ.. وربما تنصلح الضمائر أيضاً.. فالمستثمر الذى اعتاد دفع الرشوة سيأتى وهو يعلم أن ما حدث أصبح شيئاً من الماضى.. ولعل رئيس البورصة الجديد محمد عبدالسلام كان واضحاً حين طمأن المستثمرين قائلاً: «لا رشوة بعد اليوم».. ومن الجائز أن هذا المناخ هو الذى دفع جميل القنبيط للتفاوض بشأن عودة عمر أفندى من جديد! الإصلاح السياسى هو الأصل.. والديمقراطية هى التى تجذب الاستثمار.. إذن هناك مبررات موضوعية لحالة التفاؤل، التى أتحدث عنها.. وإن كنت بطبعى لا أفقد الأمل.. يساعد على ذلك عودة البورصة وجدية تحقيقات النيابة.. بعيداً عن الشائعات والبلاغات الكيدية.. فالشائعات تضر البلاد.. والبلاغات الكيدية الانتقامية تثير حالة من الرعب والفزع فى المناخ العام.. ويهرب الاستثمار فوراً! لم نصنع الثورة لننتقم، ولم نصنع الثورة لنقيم المشانق.. بالحق والباطل.. الثورات تتسامح.. والثائر الحق لا يثور دائماً.. كما يقول الشيخ الشعراوى.. وإنما يثور ليهدم الفساد.. ثم يجب أن يهدأ ليبنى الأمجاد.. ومصر فى حاجة ماسة إلى البناء.. الآن وليس غداً.. فالأوضاع مخيفة ومزعجة.. فلا يعقل أن تتحول الثورة لتصفية حسابات طوال الوقت.. ثم تتحول إلى حروب أهلية بين المستثمرين! سيقول الناس: وأين أموالنا المنهوبة؟.. ولماذا لم يحاكم مبارك وعائلته حتى الآن؟.. وما معنى التصالح مع الفاسدين؟.. وما معنى أن يعرض اللصوص بعض الفتات ليخرجوا من السجون؟.. وكيف ترى مبادرة الفاسدين برد بعض الملاليم؟.. أقول ينبغى أن نترك الأمر للنيابة العامة.. فلا يعقل أن تحفظ النيابة التحقيق مع حرامى وهى تعلم أنه يتلاعب.. ولا يعقل أن يخرج لص وهو يسرق البلد! يجب أن نتحرك لتعويم المركب أولاً.. وينبغى ألا نتوقف بمبرر هنا أو هناك.. فهناك حصار للصوص فى الداخل قضائياً.. وهناك اتجاه فى الخارج لحصارهم عن طريق الإنتربول.. ثم بالتعاون الذى يعرضه الاتحاد الأوروبى.. وهو جاد فيه.. أوروبا تعرف أنها أموال شعوب، وإن كانت موجودة فى بنوكهم كحسابات عملاء.. هم يعرفون ذلك.. جائز أن يكون القلق من طول الإجراءات.. وهو وارد! أخيراً.. اطمئنوا فلا أحد سيهرب.. لا مبارك ولا عائلته.. ولا الوزراء الذين فى مزرعة طرة سيهربون.. ولا يمكن أن يقدموا مبادرات خادعة.. ولا يمكن أن يردوا ملاليم مقابل حفظ الملفات.. ولا يمكن أن يلعب بنا الاتحاد الأوروبى.. فهو الذى يفتح صفحة جديدة.. تعهد فيها بتجميد أموال مبارك وعائلته.. فهل نتحدث عن عودة دولة عز والمغربى والعادلى.. مهما كانت المبادرات؟.. قل للزمان ارجع يا زمااان!