هدأت عاصفة الثورة، وانكشفت مؤامرات النظام السابق لتخريبها والإساءة إليها، وعادت أغلب مظاهر الحياة لطبيعتها.. وكحال الفئران التى تغادر جحورها عندما يزول الخطر، فإن أقطاب الحزب الوطنى أطلّوا برؤوسهم خارج معاقلهم، فلم يجدوا لمطلب الشعب الملح بحل الحزب ومحاكمة قياداته صدى عند أصحاب القرار.. جمعوا شتاتهم، وعزموا على استعادة كيانهم المفكك، والاستفادة به فى أجواء التعددية وقبول الآخر التى أرستها الثورة. تفاعلت بعض الصحف الرمادية مع مغازلات زعماء الحزب للرأى العام، فنشرت لهم تصريحات لجس النبض، يمدحون فيها الثورة، ويفصحون عن نيتهم خوض الانتخابات.. ولمّا لم تخرج مظاهرة واحدة تصر على المطالبة بإجهاض هذه النية، وتطهير السباق البرلمانى من المضللين والفاسدين، اطمأن زعماء الحزب وبقاياه لتوفر فرص العودة، فكشفوا عن خططهم لتغيير اسم الحزب وشعاره، ثم تحدثوا عن عمليات تطهير تجرى فى قوائمه، بشطب عضوية اثنين وعشرين فقط من أفراده الذين يفوق عددهم ثلاثة ملايين. يراهن الحزب الوطنى على استبدال وجوه زعمائه المحروقة بوجوه أخرى لم يطلها النقد، ولم تثبت عليها تهم التزوير والفساد، كما يراهن على بقاء قيادات أجهزة الإعلام الرسمى التى تدين له بالولاء فى مواقعها، وعلى انشغال الشعب بمطالبه الفئوية، وعلى انهماك الحكومة والجيش فى استعادة الأمن ودولة القانون.. يراهن الحزب الوطنى على كل ذلك فى استمراره دون محاسبة، بل وظهوره جنباً إلى جنب فى الندوات والمناظرات الإعلامية مع ممثلى الأحزاب والجماعات الأخرى، وكأن ثلاثين عاماً من الاحتكار الإعلامى والبرلمانى والاقتصادى لم تكف لفرض صورته القبيحة، وتقديم مصالحه على مصالح الثمانين مليون مواطن. منذ الحادى عشر من فبراير الماضى، والحزب الوطنى يتسلل إلى المسرح السياسى الجديد خطوة خطوة، يزاحم التيارات الشبابية التى عبرت عن الثورة، والأحزاب الشعبية التى تشكلت من رحمها، من أجل تعبيد طريق فرعى أمام القيادات الكامنة فى الجحور، وتهيئة المناخ للصفح عنها وقبولها.. هذه هى المهمة التى تتولاها القيادات البادية للعيان، وهى مجرد مهمة ثانوية فى حملة واسعة النطاق، تحركها من الكواليس عائلة الرئيس السابق لتحسين صورتها، ودرء تهم الفساد عنها، بتوجيهات صحفى أمريكى مأجور، وتخطيط جهاز أمن الدولة، وتنفيذ فلول الحزب وبلطجيته. التمادى فى المظاهرات الفئوية هو جزء من هذه الحملة يرمى لصرف انتباه الشعب والحكومة والجيش عن أولويات الإصلاح السياسى والمؤسسى، وإفشال مهمة حكومة الثورة بقيادة عصام شرف.. وكذلك الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، التى تهدف لتفتيت الرأى العام، وإغراق الشارع المصرى فى حالة فوضى لا يمكن السيطرة عليها.. كل هذه المظاهر تصب فى مصلحة الحزب الوطنى، ولا أشك على الإطلاق فى تورطه بها على نحو أو آخر. إذا خلصت نوايا الحزب الوطنى فلماذا لم يتبرأ من رئاسة حسنى مبارك للحزب، بدلاً من الإعلان الخجول عن خلو منصبه؟ لماذا لم يسلم ما لديه من وثائق تدين العهد السابق للنائب العام؟ لماذا لم يفتح تحقيقات داخلية جادة مع أعضائه المشبوهين؟ لماذا لم يكشف عما كان يدور فى مقر التحرير، وعمن حرقه، ولماذا؟ إن حل الحزب الوطنى هو السبيل لوأد الفتنة واستعادة هيبة الدولة، وبقاءه هو استمرار للفوضى، وتهديد للثورة.. وعلينا أن نختار. [email protected]