غلبت على نفسى الأغانى حين كنت أتابع صحوة الإخوان.. ميكروفونات فى الشوارع، ومنشورات فى المترو والأتوبيسات.. المنشورات تحث المصريين على التصويت ب(نعم) فى الاستفتاء، بعد غد السبت، وسيدات الإخوان يستوقفن المارة من النساء، للحديث عن الموافقة على التعديلات الدستورية.. تبقى الحكاية فيها «إنَّ».. وخايف أقول اللى ف قلبى، يزعل مننا الإخوان.. صفقة تانى.. مرة تانية برضه صفقة! لا أعرف ما المصلحة فى دعوة الإخوان للتصويت ب«نعم»؟.. ولا أعرف ما أسباب هذه الهمة التى يتحدثون بها هذه المرة؟.. إلا أنها المصلحة الخاصة للإخوان.. لا المصلحة العليا للوطن.. لقد دعا الدكتور عصام العريان الأحزاب والقوى السياسية إلى إنكار الذات، وحماية المصالح العليا للوطن، وتحقيق رغبة الجيش فى سرعة تسليم السلطة، والعودة إلى ثكناته.. بدعوى تفادى المخاطر، التى تهدد مصر.. يعنى فزاعة أخرى.. ومن عجب أن الفزاعة التقليدية هى التى تخلق فزاعة أخرى! والغريب أن الفزاعة هى التى تخيفنا من فزاعة أخرى.. مكتوب علينا الفزع.. واللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.. ومن عجائب المصادفات أن يتم الإعلان منذ يومين عن كشف شبكة تجسس.. معناه هناك مخاطر تواجه البلاد.. ومعناه ضرورة التصويت تأييداً للتعديلات.. لأ بقى.. لا نفع النفخ فى خروج عبود الزمر، ولا فى حكاية الفزاعة الجديدة! لا يصح أن يكون لنا فزاعة طوال الوقت.. مرة الإخوان، ومرة أخرى الأخطار التى تحدق بالبلاد.. نعمل دستور، وكل حى يروح لحاله.. ما فيهاش حاجة.. وبدلاً من تعديلات وترقيعات لا مؤاخذة، يبقى دستور جديد «بِكْر».. يليق بمصر الجديدة العظيمة.. الفزاعة التى يخيفنا منها الإخوان اليوم تثير الشك والريبة.. وكأن الإخوان هم الذين يحكمون! الثورة للجميع.. وليس للجماعة.. فلم نصنع الثورة لنسلمها لفريق دون آخر.. ولا لفئة دون أخرى، ولا لحزب دون آخر.. الثورة كانت لكل المصريين.. فكيف يشارك فيها فريقان فقط: الوطنى والإخوان.. ولاحظوا كيف كان «الوطنى» قبل 25 يناير يخيفنا من فزاعة الإخوان؟.. ولاحظوا أيضاً كيف يخيفنا الإخوان الآن من فزاعة فلول الوطنى؟! سبحان الله يغير ولا يتغير.. مصر بين فزاعتين.. فزاعة الأمس وفزاعة اليوم.. زمان كانوا يتحدثون عن المخاطر.. واليوم هى النغمة نفسها.. والحل تأييد الاستفتاء.. هكذا يتصورون.. وهكذا ينشطون.. فى الإعلام وفى المنتديات والندوات.. وحتى مترو الأنفاق.. الجديد أنهم يتحدثون عن مصر بعد التعديلات، ويؤكدون أنها ستكون أكثر تسامحاً، وحرية ومدنية وديمقراطية! الكلام أن التعديلات خطوة للأمام، هذا صحيح.. لكن السؤال: لماذا نسير خطوة خطوة؟.. ولماذا نظام النقطة نقطة؟.. ولماذا نظام الجرعات؟.. تعبنا بقى من نظام الجرعات.. ولخبطنا الناس.. محدش عارف يقول إيه؟.. يروح ولَّا لأ.. يقول آه، ولَّا يقول لأ.. على رأى فريد الأطرش.. أخاف أقول آه يمكن تكون لأ.. طيب نقول لأ.. نمارس حقنا فى كلمة «لأ»! الأمل الآن فى قضاء مجلس الدولة.. والأمل فى الحكم بإلغاء الاستفتاء.. وتنتهى الحكاية بالقضاء.. ونبدأ عهداً جديداً بتنفيذ أحكام القضاء.. ثم يتقرر إعلان دستورى.. ويحكم البلاد مجلس رئاسى.. تهدأ مصر خلاله وتستعد.. ولا تقع ثمار الثورة فى حِجْر الجماعة وحدها.. فثورة مصر للجميع.. وليس للجماعة!