مجلة سينمائية متخصصة عام 2002، «سينما أونلاين» على الأغلب، كُتِبَ بها تقرير عن أبرز مشاهد وظواهر أفلام الصيف، وضع المحرر في المقدمة اسم ممثل مغمور رغم عمره المتقدم يُدعى خالد صالح، قدم دوراً من مشهد واحد في فيلم «محامي خلع»، ولكنه كان أبرز ما في العمل وأكثر ما أثار ضحكات الجمهور في صالات السينما. مقابلة تلفزيونية مع أحمد السقا في برنامج «اسهر معانا» مع سلمى الشماع في أواخر 2003، يتحدث فيه عن فيلمه القادم «تيتو»، يتحدث بحماس معتاد عن كل شيء، ولكن الأدرينالين كان أعلى عندما خصص جزءً من حديثه عن «موهبة قنبلة» ستظهر في الفيلم، قال أنه يسمى خالد صالح، وأن أدواره حتى الآن قليلة، ولكن هذا الدور سيكون نقلة في حياته. الدور لم يَكن مجرد نقلة في حياة ممثل، ولكنه النقطة التي أدرك حينها أن «حياته الثانية» التي قرر عيشها كممثل، بعد نجاح عملية القلب المفتوح وتغيير الشرايين التي أجراها في عمر ال34، كانت حياة تستحق المُخاطرة. كان قد بدأ التمثيل حينها قبل عشرين عاماً، في مسارح الجامعات والهواة، وبعض الأدوار بمسارح الدولة، عُرِفَ على نطاق صغير للغاية، وفضَّل أن يظل هاوياً، يُمارس المُحاماة كمهنة يعيش منها، والتمثيل على الهامش لأنه لن يستطيع العَيش منه. الصدفة منحته دوراً في فيلم جمال عبدالناصر لأن مخرجه السوري أنور القوادري رأى فيه شبهاً بصلاح نصر. كان ذلك بعد فترة قصيرة من قيامه بعملية القلب، نجحت العملية وفشل الفيلم، ولكنه كان كافياً ليعرف خالد صالح على نطاقٍ أكبر، ويقترن بقاؤه حياً على المستوى الجسدي بخطوة ثورية تغير حياته باحتراف التمثيل. إنعام محمد علي رأته في دور مأمون الشناوي بمسلسل «أم كلثوم». الشبة المفترض بينه وبين تلك الشخصيات، نصر أو الشناوي، كان المحرك الرئيسي لاختياره دون إدراك حجم موهبته، ولكن الأمر كان كافياً ليبدأ مرحلة من الأدوار الصغيرة، حتى وصل إلى ظهوره الخاطف والمُلفت جداً في «محامي خلع»، تمهيد ممتاز لخطوته الأهم والأكبر في «تيتو»، والتي حولته بشكل تام من محامٍ غير متفرغ إلى ممثل يرى فيه الجميع موهبة كبرى. تلاحقت الأمور سريعاً بعد ذلك، الأدوار تزداد، عدداً وحجماً، والرجل الذي لم يعرف أنه سيموت في خلال 10 سنوات قدم قرابة الثلاثين عملاً، بين التلفزيون والسينما، كأنه يُعوض السنين التي قضاها دون تمثيل، أو يُسابق الموت الذي لن يمنحه الكثير من الوقت، أو –بصورةٍ أبسط وأقل شاعرية- يعمل لأنه مَطلوب ولأن هذا مُتاح، وهو ما أثر سلباً على قيمة الأعمال التي يُشارك فيها، أو حتى قيمة أداءه بها، ولكنه -على الأقل- مات دون أن يشعر بأنه قد فاته شيئاً، أو كما قال: «ربنا خلقني عشان أحاول وأجرب، وأنا مبسوط إني بحاول وأجرب». والناس، الذين حزنوا كثيراً عند معرفتهم بوفاته صباح اليوم، لا يعرفون الكثير عن حياته الأولى في أربعين عاماً، ولكن منحهم بعض التفاصيل للذكرى في عُمره الثاني، «تهريج» القاضي في «محامي خلع» أو غضب «رفعت السكري» في «تيتو»، خلاصة الشخصية المصرية العادية في «أحلى الأوقات»، أو «تويست» الختام في «ملاكي إسكندرية»، رجل دولة مبارك في «عمارة يعقوبيان» ورجل داخلية مبارك في «هي فوضى»، حتى نَظرة عين «عمر حرب» التي تَلمع في «كلوز آب» شديد السوء، كلها تفاصيل ولقطات تبقت عند الناس، وترحموا على صاحبها كثيراً حين مات فجأة بقلبٍ مُعتل. أين تذهب هذا المساء؟.. اشترك الآن