فرنسا المخلصة لمبادئ ثورتها: الحرية والمساواة والإخاء، مازالت على عهدها، فالحرية الخاصة مصونة من قبل المجتمع، خاصة من الصحافة التي لا تخلط العام بالخاص، ولا تجد في الحديث عن الحياة الخاصة للرئيس مادة فضائحية تحوز القبول من الشعب أو النخبة، عكس ما يحدث في دول أوروبية أخرى كإنجلترا وإيطاليا. القوانين الفرنسية تحمي الحرية الشخصية لجميع المواطنين وطبيعي أن يكون الرئيس منهم، معظم رؤساء الجمهورية الخامسة في فرنسا كان لهم نزواتهم النسائية وعلاقاتهم غير شرعية. تعامل المجتمع الفرنسي مع رئيسهم الاشتراكي فرانسوا أولاند بنفس العقلية منذ أن كان رئيسا للحزب الاشتراكي، علاقته برفيقته السياسية اللامعة سيجولين رويال أم أولاده الأربعة والتي دامت لمدة 30 عاما، ثم علاقته بالصحفية فاليري تريرفيلر، لم يشغل الشعب باله بالثأر البايت بين سيجولين وفاليري، باعتبار أن الثانية كانت السبب في خراب بيت الأولى، على حد قول الأولى، واعتبروا ذلك غيرة نسائية لا شأن للناخب بها. المهم برنامج أولاند الرئاسي الذي حاز ثقة الناخب الفرنسي ففاز أولاند على ساركوزي، وبالرغم من أن 68 % من الفرنسيين لم يجدوا أن فاليري جديرة بلقب السيدة الأولى فإنهم لم يعارضوا وجود مكتب لها في قصر الإليزيه به خمسة مساعدين وقيامها بزيارات خارجية رسمية ممثلة لبلدها، كما تغاضوا بعد ذلك عن علاقة رئيسهم مع الممثلة جولي جييه والتي فضحتها مجلة «كلوزر» في يناير الماضي وكانت سببا لانتهاء علاقة أولاند - فاليرى. تسامُح الشعب الفرنسي بشأن حياة الرئيس الخاصة جزء من شخصيته التي تحترم الشأن الخاص، ولكنه رقيب ذكي لا يقبل الخداع فيما يخص الشأن العام والملفات الاقتصادية التي كانت العمود الفقري لبرنامج أولاند الانتخابي، لكن للأسف خلال العامين الماضيين لم يجد الناخب خيرا من الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى 13% خلال شهر أغسطس الماضي وهو الأدنى بين كل الرؤساء الذين سبقوه. المصاعب الاقتصادية التي تعانى منها فرنسا تزداد سوءا، وسياسة التقشف تخنق الشعب والبطالة ترتفع نسبتها لتصل إلى 10%، ووعود أولاند الانتخابية باعتباره مرشح الطبقة الوسطى والفقراء لم يتحقق منها شىء سوى زيادة الضرائب على الأغنياء والتي لم تحدث أثرا على البسطاء. وزير الاقتصاد أرنو مونتبور انسحب من وزارة فالس منتقدا سياسة أولاند الاقتصادية. المصائب لا تأتى فرادى كما يقولون، إذ تعرض هولاند مؤخرا لضربتين في الرأس، وللدقة فضيحتان يوم الخميس الماضى، الأولى استقالة توماس تيفنو، وزير الدولة للتجارة الخارجية والسياحة الفرنسية، الذي لم يمر على تكليفه بهذه الوزارة سوى 10 أيام، بسبب عدم دفعه الضرائب لثلاثة أعوام متتالية، ولقد حاول تيفنو أن يجد مبررا لسلوكه الشائن فقال: نسيت أن أدفع. وبالطبع جاء تفسيره أسوأ من صمته، والفضيحة الثانية صدور كتاب السيدة الأولى سابقا، فاليري تريرفيلر الذي يحمل عنوان «شكرا على تلك اللحظات» والذي رسم صورة سيئة للرئيس، خاصة فيما يخص انحيازه للفقراء، فلقد صورته فاليري بأنه يسخر من الفقراء ويشمئز من المسنين منهم الذين يأكلون دون أسنان، كما كتبت عن كذبه وكذب طاقمه الرئاسي، وأفردت صفحات لخيانته لها وصدمتها فيه. أولاند لم يتعرض للجزء الشخصي فى كتاب فاليري، لكنه نفى بشدة سخريته من الفقراء وقال: إنني في خدمة الأكثر فقراً، هذا سبب وجودي، فهو يعرف أن ادعاء مثل ذلك يقوض كل مسيرته السياسية، وطالب بحزم باحترام المنصب الرئاسي. مطلب الرئيس أصبح صعبا، ففاليرى تأتي الآن لتضع المسمار الأخير في نعش رئيسهم المغضوب عليه، ولتطرح سؤالا لم يكن يشعل الرأي العام من قبل وهو: هل مثل هذا الرئيس المشغول بعلاقاته النسائية والذي أدمن الخيانة لشريكة حياته الواحدة تلو الأخرى قادر على أن يعبر بهم النفق المظلم؟ أم أن أداءه العام سيكون بنفس مستوى أدائه على المستوى الشخصي الذي ظهر في علاقته بالممثلة جولي جييه التي كان يذهب لها على دراجته البخارية ويطلب من حارسه الخاص أن يحضر لهما الكرواسان الطازج للإفطار؟! سؤال الأيام وحدها القادرة على الإجابة عنه وسط ظروف صعبة للغاية يمر بها الرئيس الذي تنتهي ولايته في 2017. [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة