عابر سبيل يبدو عليه الإرهاق ومشقة الطريق. يسير فى خطوات متثاقلة ملؤها التعب. ينظر نحوه فى حيرة، ثم يتجه إلى رجل عجوز يقف على ناصية الطريق: «السلام عليكم. لو سمحت يا حاج، ممكن تدلنى أوصل إزاى لطريق الحرية؟». ينظر إليه الرجل فى إمعان، ويقول له: «إمشى فى الطريق ده. ناصية، ناصيتين، تلاتة، بعدها حود يمين واسأل هناك». يقول فى امتنان وهو يسير: «شكرا يا حاج. الله يكرمك». يتبع عابر السبيل التعليمات بالحرف. ثم يحملق محتارا فيما حوله. يسأل رجلا ذا شارب كثيف وهيئة صارمة: «السلام عليكم. هو طريق الحرية قريب من هنا؟». قال الرجل فى دهشة: «ياه! إيه اللى جابك هنا! إنت ترجع من مطرح ما جيت، ولما توصل اسألهم هناك». يقول عابر السبيل فى تردد: «حضرتك متأكد؟». قال الرجل فى ثقة: «كما كنت». يمشى عابر السبيل فى تردد، ثم يسأل سيدة تبيع البرتقال: «لو سمحت يا حاجة. طريق الحرية منين؟». تشير البائعة إلى طريق ثالث: «من هنا يا أستاذ. إمشى طوالى واسأل هناك». يقف محتارا بين الاتجاهات: «وبعدين بقى؟ أروح هنا ولا هناك؟ ولا أفضل مطرح ما أنا واقف. كل واحد بيقول حاجة مختلفة عن الثانى. أنا تعبت. أكتر من تلت سنين وأنا باتخبط وباغلط فى الاتجاهات». ويجلس عابر السبيل على الأرض ليستريح، ويشرع فى تقشير برتقالة. تصرخ بائعة البرتقال: «إنت جبت البرتقالة دى منين؟ أكيد سرقتها وإنت بتسألنى؟». يقول ممتعضا: «عيب كده يا حاجة. معقولة تقولى كده! برتقال إيه اللى حاسرقه؟ أنا إنسان محترم وشريف». تقول البائعة فى ارتياب: «البرتقالة دى من عندى». ينفجر فى غيظ: «هو إنت معلمة البرتقال يا حاجة؟ ما هو كل البرتقال شبه بعضه. باقولك إيه؟ بناقص البرتقالة دى مش عاوزها، خديها». تقول البائعة متراجعة: «خلاص يا بنى بالهنا والشفا. أنا مسامحاك». يقول فى غيظ: «مسامحانى فى إيه؟ هو أنا سرقتها؟». يتدخل بائع السميط فى الحوار: «هو إيه الموضوع؟». يقول عابر السبيل فى سأم: «ولا موضوع ولا حاجة يا حاج. سوء تفاهم بس». يجلس البائع جواره: «قول بس. إحكيلى. أنا زى والدك». ينفخ عابر السبيل فى زهق: «بقالى تلاث سنين باحاول أروح طريق الحرية. وكل واحد بيقول وصفة غير التانى. وكل ما أوصل مكان يطلع غلط. الشوارع كلها منفدة على بعض. والآخر يقولوا عليا حرامى! وفى إيه؟ برتقالة!». يقول بائع السميط فى اهتمام: «إنت عاوز تروح هناك ليه؟». يزفر عابر السبيل وهو يقول فى حرقة: «زهقت يا حاج من الشوارع الضيقة القذرة. نفسى أعيش فى مكان واسع ونضيف». قال بائع السميط وهو يلوك سميطة فى استمتاع: «إزاى؟ إحكيلى». قال عابر السبيل وهو ينظر إلى بعيد: «كل اللى فيه منظمين. محدش راكب على حد ولا حد بيظلم حد». قالت بائعة البرتقال وهى تقشر برتقالة: «يا حلاوة يا ولاد!». قال فى انفعال: «تعيش بكرامة. وتشتغل بكرامة. محدش يسرق حد ولا حد يهين حد». ثم ملتفتا إليهم وقد برقت عيناه بفكرة: «ما تيجوا نروح كلنا مع بعض». ابتعد الجميع قائلين: «إحنا مبسوطين هنا، واللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش. روح إنت وإذا وصلت إبقى ابعت لنا». [email protected]