«بنتان من الجنوب»: عندنا «إيميل وأكاونت فيس بوك.. بس فيه قهر»

«وشّها في الأرض بس بميت راجل..»، هذا هو الوصف الملائم لبنت الصعيد، راحت الجامعة وليست محبوسة بين الحيطان الأربعة كما نتوهّم نحن أبناء بحري، فخورة بتقاليد مجتمعها، وإنْ رفضت بعضها.. نموذجان من «مصر العليا»، ذلك الجنوب الملقى تحت الشمس الآسرة.. ذكاء في العين ولباقة في الحديث، رفضتا التصوير فيديو، التزامًا بما تعوّدتا عليه، فاكتفينا معهما بتسجيل صوتي، هذا نصّه:
«جهاد»، 25 عامًا، خريجة كلية تربية، قسم إنجليزي، وتعمل مشرفة على البيت اليدوي للحرف البسيطة، تقول: «مجتمعنا يحترمنا، ويقدرنا، ونتعامل كأي ست في أي مجتمع تاني.. بنتعلم ونخرج عادي»، وأضافت: «نسبة التعليم للفتيات هنا أكبر من الشباب خاصة التعليم الجامعي، والجواز ما بيمنعش البنات من التعليم، مشكلتنا هنا، زي العاصمة، الحصول على وظيفة في تخصصنا، فالوساطة هي اللي بتحكم».
وتابعت: «المرأة في الصعيد تعيش حياة كريمة أكثر أمانا عن المحافظات الأخرى، والاختلاف بين مجتمعنا و«العاصمة» أن الست الصعيدية مقدّسة أكتر من القاهرة.. هناك البلد مفتوحة، لكن هنا كلنا نعرف بعض، وتربطنا مودة، ولا يجرؤ أحد على معاكستي، أما هناك ففيه انفتاح والبنت معرّضة لأي شيء خارج عن الأدب، ولا أجد من يدافع عني».
أبدت «جهاد» استياءها من تناول الإعلام لقضايا أهل الصعيد، مؤكدة أنه يظهرهم باعتبارهم «متخلفين»، وهذه فكرة غير صحيحة، على حد تعبيرها، لافتة إلى أن «الاحترام هنا بين الراجل والست أكتر.. حتى التار بعيد عن الستات».
وعن علاقتها بأشقائها، قالت: «بيعاملوني أحسن معاملة ولا فيه أي تسلط، عشان عارفة حدودي.. بادخل على النت بحرية وليَّ إيميل وأكاونت على "فيس بوك"، بس لا أضيف أي رجل من عيلتي، ولا أضع صورتي الشخصية ع البروفيل عشان ما حدش يستغلها غلط».
كما انتقدت تناول الأعمال الفنية لمجتمع الصعيد، وتحديدا ما يخص تعامله مع زواج البنات، قائلة: «البنت هنا بتتجوز برغبتها مش زي مسلسلاتكم.. انتهي عصر أن البنت لما توصل 30 سنة يتقال عليها كبرت وعنّست».
أما ولاء أبوالمجد، 23 عامًا، ليسانس حقوق، وتعمل في محل خردة، فتناقض الصورة التي رسمتها «جهاد» نسبيا، قائلة: «الست مظلومة ومش واخدة حقها في كل حاجة.. أنا مش راضية عن وضع الست في الصعيد».
وتتابع: «الستات في القرى ممنوعة من الخروج للعمل أو التعليم، عكس ستات المدنية، فيه حرية عندها، والبنت اللي مش محجبة عندنا "منبوذة" وبيتقال عليها "مش محترمة"».
وأضافت: «فيه بنات من هنا بيروحوا القاهرة عشان الجامعة فبيقلعوا الحجاب، ودا بسبب الكبت وانبهارهم بالانفتاح اللي في العاصمة، فالبيئة اللي هنا مش معترفة بأننا جزء من المجتمع، ولنا حقوق في اختيار شكل حياتنا».
واتهمت المجتمع كله بأنه «ظالم البنت الصعيدية بداية من الحكومة حتى أسرتها» وتعتبر نفسها «ضحية لعادات هذا المجتمع».
وتحكي بأسى عن تجربة خطوبتها التي فشلت بسبب عادات المجتمع الصعيدي، فتقول: «ارتبطت بشاب من قبيلة أخرى، واتفسخت الخطوبة بسبب مشاكل العصبيات القبلية، فالمتعارف عليه أن الزواج من قبائل أخرى غير مقبول، ولا بد الزواج من نفس العائلة حتى لو كان مستوى العريس في التعليم أقل من البنت، لكن عافرنا وأصرينا لحد ما تخطبنا، وفي النهاية انتصرت الخلافات بين القبائل، حتى بعد ما تمت الخطوبة، لأن كل واحد فيهم شايف نفسه الأحسن في الأصل».
وتابعت: «العادات بتاعتنا خلقت حاجات سلبية كتير زي التار، اللي معيّشنا في رعب، الكل قاعد في بيته خايف وحال البلد بيقف، وكستات بنخاف على رجالتنا وشبابنا»، ووجهت رسالة للقبائل بمجتمعها وكأنها تستغيث بالمجتمع ككل: «اهدوا شويه لأن ناس كتير بتموت وناس بتتظلم وأنا كنت ضحية في الموضوع دا»، لكنها اختتمت كلامها بالحديث عن عدم وجود فرص عمل مناسبة، مناشدة الحكومة بقولها: «تعبت لحد ما خدت شهادة جامعية.. عايزة الحكومة تشغلني».