مشنقة للعمال على باب كل مصنع!

محمد كامل القليوبى نموذج لما يطلق عليه باللغة الفرنسية «رجل السينما» أو إنسان السينما سواء كان رجلاً أو امرأة، أى الذي يعطى حياته للسينما، ويمارس العديد من فنونها، فهو مخرج وكاتب سيناريو للأفلام الروائية والتسجيلية، وهو ناقد وباحث ومؤرخ له العديد من الدراسات والكتب المتميزة، كما أنه أستاذ دكتور في المعهد العالي للسينما، ومناضل صلب من أجل الحرية والعدالة منذ أن كان طالباً في كلية الهندسة قبل أن يلتحق بقسم الإخراج في معهد السينما، ويكتشف يحيى الفخرانى في فيلم التخرج، وينال الدكتوراه في معهد السينما بموسكو. والآن يرأس القليوبى مؤسسة «نون» للثقافة والفنون من مؤسسات المجتمع المدني، والتي تنظم مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية.
وفى أحدث أفلامه التسجيلية الطويلة «اسمي مصطفى خميس» الذي شاهدته في مهرجان دبي العاشر في عرضه العالمي الأول، يفتح القليوبي صفحة مهمة من صفحات تاريخ مصر المعاصر بعد ثورة الجيش في 23 يوليو عام 1952، وهى قضية إعدام العامل خميس والخفير البقرى في كفر الدوار بعد شهر واحد من قيام الثورة في أغسطس 1952، والتي تعرف بقضية «خميس والبقرى»، ويربط القليوبى بينها وبين قضية إعدام ساكو وفاتريتى العاملين في أحد مصانع الولايات المتحدة الأمريكية مطلع القرن العشرين.
لا يؤخذ على الفيلم سوى مدة عرضه، وكان الأفضل أن يكون مكثفاً في مدة أقل، ولكن هذا لا يقلل من أهميته، خاصة في الكشف عن هوس الذعر من الشيوعية، الذي جمع بين قادة الثورة وقادة الإخوان، ودفعهم إلى مواجهة إضراب في أحد مصانع كفر الدوار بإعدام العامل والخفير بقرار من محكمة عسكرية من ضباط الثورة، وكانت أول محكمة عسكرية لمدنيين فى تاريخ مصر الحديث.
وليس من المهم هل وافق عبد الناصر على حكم الإعدام أم لم يوافق، ولكن الأهم أن الحكم صدر ونفذ، وأيده سيد قطب الذي أعدم بدوره بعد سنوات. وهناك عبارات «تاريخية» بحق تسمع في هذا الفيلم لأول مرة في السينما على الأقل، مثل قول حسين الشافعى «هناك 2 مليون عامل في مصر، وما المشكلة في إعدامهم جميعاً حتى تنتصر الثورة؟». وقول أنور السادات «سوف نعلق مشنقة للعمال على باب كل مصنع». وكلاهما من أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، وكان الشافعى نائباً لرئيس الجمهورية بعد ذلك، وتولى السادات رئاسة الجمهورية بعد وفاة عبد الناصر. فيلم القليوبى يحقق أحد الأدوار الكبرى للأفلام التسجيلية الطويلة الغائبة عنها فى مصر، وهو البحث في التاريخ، وإعادة فتح صفحاته المطوية.
samirmfarid@hotmail.com