حرية الرأى والتعبير والصحافة فى الدستور (1-3)

انتهت لجنة الخمسين بعد جلساتها الطويلة إلى إقرار مشروع الدستور الذى هو الآن بين يدى الشعب المصرى للاستفتاء عليه يومى 14 و15 من الشهر الحالى لكى تنتقل البلاد بعدها إلى مرحلتيها الأخيرتين من خريطة الطريق، وهما الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أياً كان ترتيبهما.
ولقد أفاض كثيرون ممن ناقشوا مشروع الدستور وتطرقوا إلى مواده بما أتى فيه من حقوق وحريات عامة وخاصة طالت كل مواطنى مصر وفئاتها بصورة غير مسبوقة فى أى وثيقة دستورية مصرية منذ عام 1866، وهو الأمر الذى طال للمرة الأولى المواد المتعلقة بحريات التعبير والرأى لكل المواطنين المصريين، وفى قلبهم الصحفيون والإعلاميون، ومعهم مهنتا الصحافة والإعلام عموماً.
وقد تناثرت فى مشروع الدستور عدة مواد فى مختلف أبوابه لتتجمع كلها فى النهاية لتعطى حريات الرأى والتعبير لكل المواطنين ومهنتى الصحافة والإعلام ما هو غير مسبوق فى التاريخ المصرى كله، بل وفى بعضها ما يفوق ما هو موجود فى كل دساتير الدول الأخرى حول العالم، فالمادة (68) من المشروع الدستورى عالجت حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية لتجعلها ملكاً للشعب، وتعتبر الإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حقاً تكفله الدولة لكل مواطن، وأن تلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية وأن ينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً.
ولا شك فى الأهمية الكبيرة لهذه المادة بالنسبة لعموم المصريين لمعرفة ما يجرى فى بلادهم من أمور كانت تخفى عليهم عادة وما يتصل بها من معلومات، إلا هذه الأهمية تزداد كثيراً بالنسبة للصحفيين والإعلاميين الذين يقوم عملهم على الحصول على تلك المعلومات بصورة تفصيلية ودقيقة لكى يوصلوها للرأى العام ويستندوا إليها فيما يطرحونه من قضايا وموضوعات تتعلق بالشأن العام، وهو الأمر الذى نصت المادة على إتاحته لهم بدون شروط أو عقبات مما كان يوضع فى طريقهم فى الماضى القريب والبعيد. وغير بعيد عن هذا السياق أتت المادة التالية (69) لكى تلزم الدولة للمرة الأولى فى تاريخ الدساتير المصرية بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها فى المجالات كافة، وإنشاء جهاز متخصص لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وهو الأمر الذى يضفى حماية قانونية كاملة على كل ما ينتجه الصحفيون والإعلاميون من أشكال وصور للإبداع ضمن حماية أشمل لكل المواطنين المبدعين فى مجالاتهم.
وبالانتقال إلى الحريات الصحفية والإعلامية المباشرة تأتى أولاً المادة (70) التى تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمى. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية».
ونحن هنا إزاء حقوق تُقرُّ للمرة الأولى فى أى دستور مصرى تتعلق بحق الإصدار والإنشاء لكل وسائل النشر والتعبير لجميع المصريين من أشخاص وهيئات، على أن يقتصر دور القانون والهيئات المتخصصة على تنظيم هذا الحق دون الإخلال به كما تنص على هذا المادة (92) التى تنص على أن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها».
ويبقى بعد هذا المواد التالية التى تعطى لعموم المواطنين ولأبناء مهنتى الصحافة والإعلام حقوقاً غير مسبوقة فى التاريخ الدستورى والقانونى المصرى، وهو ما سنتطرق إليه فى المقال التالى.