المشاركة المصرية في الدورة العاشرة ل«دبي السينمائي».. أرقام ونتائج (2)

تحدثت في الحلقة الأولى عن المشاركة المصرية في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، عن الحضور القوي للسينما المصرية في هذه الدورة تحديدًا، بداية من احتلالها المراكز الأولى في قائمة أهم فيلم عربي، والتي أعلنتها إدارة المهرجان قبل بداية الدورة بفترة وجيزة، مرورًا بمشاركة عدد من السينمائيين المصريين في لجان تحكيم مسابقات المهرجان، وانتهاء بحصول السينما المصرية على نصيب جيد من جوائز الدورة العاشرة، التي اختتم بها المهرجان عقده الأول، واليوم نستكمل تحليل فعاليات الدورة.
سرعة الضوء
في مسابقة «المهر العربي للأفلام القصيرة» شارك المخرج المصري الشاب يوسف إمام بفيلمه «سرعة الضوء».. «يوسف» صاحب التجربة القصيرة «لبيدو»، والتي أثارت جدلًا واسعًا العام الماضي بجرأتها الشكلية والموضوعية، والحاصل على جائزة مهرجان «شنيت السويسري» الذي أقيم قبل شهور قليلة، يبتعد هذه المرة عن مزج الروائي بالتسجيلي كما فيلمه السابق، ويقدم مزيجًا تجريبيًا بين الخيال العلمي والفلسفة، كتابة وإخراجًا وتمثيلًا وإنتاجًا.
«طبيب نفسي يتعامل مع مريض شاب يؤكد له في كل جلسة أنه قادم من المستقبل وأن عليه العودة مرة أخرى قبل أن يتحلل جسده.. يحاول المريض الهرب بشكل مستمر بينما يدخل الشك في قلب الطبيب مع إصرار الشاب العنيد على شرح نظرية السفر عبر الزمن.. تلقى النظرية هوى دفين في نفسية الطبيب الذي يعاني من جرح وجداني هائل تسببت فيه حادثة فقدانه لأسرته الصغيرة.. وفي النهاية حين يتمكن المريض من الهرب بالفعل ويقفز في الفراغ الأبيض الكامل الذي يتحدث عنه يقرر الطبيب هو الآخر القفز ورائه عله يعود بالزمن إلى ماضيه الجميل».
لا يقدم الفيلم في إطاره الخيالي محاكاة لأفلام السفر عبر الزمن لكنه يتحدث عن فكرة الإيمان، عبر قصته التي تشبه قصص دكتور نبيل فاروق، بينما يحاول من خلال إطار بصري مرهق جدًا على مستوى الإيقاع ولون الصورة وطبيعة زوايا الكاميرا والمونتاج المضطرب عمدًا أن يقول إن الإيمان ما هو إلا رحلة شك طويلة.
هذا البتر المتعمد للقطات، وتلك الجمل القصيرة جدًا، والمشاهد المبهمة والكادر المائل والإَضاءة المبهرة التي تعمي أكثر مما تكشف، يقدم الفيلم تطابقًا بين شكله وفكرته، فالإيمان ليس طريقًا مفروشًا باليقين بل هو دروب ملغزة مليئة بالغوامض والشكوك والأشياء غير المفهومة والمعلومات التي تأتي على لسان أشخاص مجانين في نظر المجتمع والناس، «ألم يتهم كل نبي بالجنون في مرحلة ما من دعوته».
إنه فيلم مميز، لكنه بحكم إغراقه في التجريب والإيقاع اللاهث الذي يتجاوز التشويق للإيهام الكامل في بعض الأحيان، يحتاج إلى متلق ذو حساسية خاصة، كما أنه في مستوى بصري ما يشعرنا بمحاكاة بعض أشهر التجارب البصرية، مثل «ساحرة بلير وتش» في أسلوب الكاميرا المهتزة والعين الثالثة المتلصصة على واقع غامض يخفي أكثر مما يفصح.
موج
15 فيلمًا في «مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية»، منها 4 أفلام مصرية، «الميدان» لجيهان نجيم، و«اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق» لسلمى الطرزي، و«اسمي مصطفى خميس» لمحمد كامل القليوبي، وأخيرا «موج» لأحمد نور.
في المقابل قدمت لبنان 4 أفلام استحقت أن تنافس بقوة، بل وتستحق أكثر من «شهادة تقدير» لفيلم المخرجة زينة دكاش «يوميات شهرزاد»، و«جائزة لجنة التحكيم الخاصة» لفيلم «أرق» لديالا قشمر وكاورل عبود، بجانب أفلام «الميراث» لفيليب عرقتجي، و«طيور أيلول» لسارة فرنسيس، وكلاهما من التجارب المميزة، ويبدو واضحًا من خلال الكثرة العددية لكلا الدولتين أسباب تقاسمهم الجوائز الأربعة الخاصة بتلك المسابقة.
الفيلم المصري «موج» هو أحد التجارب الوثائقية التي تنتمي إلى التسجيلية الشعرية، وهي نوع من الأفلام التسجيلية غير المطروق بالنسبة للكثير من التسجيليين المصريين، رغم موضوعه الذي يبدو سياسيًا ويتناول ملامح من أسباب انطلاق ثورة يناير في السويس، التي تعتبر أهم المحافظات الثورية، وأول محافظة سقط فيها شهيد من أبنائها في الثورة، إلا أنه استطاع أن يخلق حالة بصرية ووجدانية مغايرة عن شكل النمط السياسي المعتاد للأفلام التي تتحدث عن الثورة، وذلك من خلال إطار شعري يمزج فيه الذاتي بالعام، أي تاريخ المخرج الشخصي في مدينته وتاريخ المدينة العام وأزمتها قبل وبعد الثورة.
يتحرك المخرج ما بين المعادل البصري للفكرة أو الشعور بمصحابة التعليق الصوتي وبين استخدام الرسوم المتحركة في التعبير عن الخيالات أو الأحداث غير المصورة أو التاريخ الشخصي، يحكي عن علاقته بشاطئ «ريكس العام» وغربان الحدائق عبر التحريك ثم يمزج هذا بمشاهد شكوى أهل السويس ولقاءات مع أهالي الشهداء في شكل بورتريهات شخصية تجمعهم كأنها صور جنائزية.
تحكم متقن في عناصر الكادر الحي خاصة في مشاهد اللقاءات مع الأهالي والاستماع إلى شكواهم ودفتر أحوالهم الموجع اجتماعيًا وسياسيًا وانسانيًا، وتعامل حساس وواع مع فن التحريك وفهم جيد لطبيعته التي تتجاوز محاكاة الواقع إلى إمكانيات الشطح الخيالي الكامل والمؤثر.
تجربة «موج» هي أحد أهم التجارب التسجيلية المصرية الجديدة، والتي بلا شك سيكون لها حضور جيد في المهرجانات الدولية والمحلية لأنها تعكس اتجاه غير مطروق في الفيلم التسجيلي المصري.