لطالما كانت مصر يا سيادة الرئيس –وستظل كذلك إلى الأبد- هي القدوة والريادة، فقرار الرئيس السادات رحمه الله بخوضِ حرب العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر والتي كنتم أحد قادتها وأبطالها، هذا القرار دفع بالدول المستهلكة للنفط إلى الوصول إلى ما نعيشه اليوم من طاقة بديلة ووقود حيوي. إن شباب مصر ومنهم مواليد السبعينيات وما بعدها، جربت نسبة منهم الحياة في دول أخرى غير مصر والتعامل مع ثقافات أخرى فضلا عن تعاملهم مع أدوات العصر (انترنت). هذه الأجيال غير محنكة سياسيا وبالتالي فمانشيت من حوار للدكتور مصطفى الفقي أو تعليق لوزير التنمية الاقتصادية، المانشيت والتعليق هما ما يبقى في ذاكرة هذه الأجيال التي يعتقد البعض أنها قد لا تحترف قراءة التفاصيل أو دراسة التاريخ ومجريات السياسة. تراكم كل هذا مع أداء حكومي ربما يكون جيدا ولكن تسويقه رديء، ومع آلة إعلامية ذات أدوات بالية، ازدادت الأمور سوء. من وجهة نظري سيادة الرئيس، علاقة هذا الجيل بالسياسة بدأت –إضافة لروايات رجل المستحيل - حين زحفت السياسة إليهم في قنواتهم المفضلة: دردشات الأندية، اليوتيوب والفيسبوك؛ وكذلك حين زحفت إليهم قوات الأمن في قلب الجامعة. كان طبيعيا أن يسألوا: لماذا، وكيف، ومنْ؟ لم تكن الإجابة الشافية المنطقية متاحة من أحد إلا ممن يصنفون بأنهم (المعارضة). بطبيعة الحال وبحكم اندفاع الشباب وعدم اهتمام فئة كبيرة منهم بالقراءة، أصبح هنالك مصدر أحادي لتغذية هذه الأجيال سياسيا: إخوان غاضبون، متظاهرون صارخون، عناوين صحفية غير دقيقة، ومواقع انترنت. وغاب مصدران أهمهما التغطية الحيادية التي تقابل وجهتي النظر وتعرضهما بشكل متوازن، وحتى حين خرجت برامج التوك شو كان واضحا أنها لم تنجح في تقديم هذه المقابلة. المصدر الآخر يا سيادة الرئيس والمتمثل في وجهة النظر الرسمية كانت أدواته كما أسلفت بالية وتستخدم جملا وكلمات وتعبيرات تثير المزيد من الشفقة والاستياء بين شريحة الشباب. لا ينكر أحدٌ وجود برامج رائعة بالتلفاز المصري لكن معظمها لا يخاطب الشباب (برنامج كلام مسؤول مثلا يلخص قضايا كثيرة مهمة وهو مفيد لدبلوماسي أو لضابط مخابرات أو حتى لمحاضر جامعي ولكنه قد لا يجذب شابا عاديا). من جهة أخرى، إن ما حدث يلفت الأنظار إلى أنّ سلطة الدولة محدودة عددا قياسا إلى جمهور الشعب. ففي الخمسينيات ربما كان لدى الجهاز الحكومي عشرون وزارة ونحو أربعة آلاف موظف رفيعي المستوى وشعب قوامه أربعون مليون نسمة. الآن في 2011م أصبح لدى الجهاز الحكومي ربما نحو خمسة وثلاثين وزارة ونحو ثمانية آلاف موظف رفيعي المستوى وشعب قوامه بضع وثمانون مليون نسمة. وهنا يفرض سؤال نفسه: في ظل ثورة الاتصالات والانترنت، ما هي السياسة الإعلامية الموجهة للشعب لكي يدرك الثمانون مليونا حجم الجهد الذي يبذله الثمانية آلاف موظف؟! لم يكن كافيا سيادة الرئيس الانكفاء على العمل (وسيادتكم مشهود لكم بالجدية والمثابرة)، بل أمسى ضروريا الآن أكثر من أي وقتٍ تخصيصُ أشخاصٍ وأدواتٍ وميزانيات تشرحُ السياساتِ وتوضحها وتسوقها للجماهير (خصوصا سكان العاصمة) عبر مختلف القنوات والوسائل. إن التباعدَ الحاصل بين تروس العمل داخل الحكومة المركزية وأجهزتها من جهة، وبين جموع الشعب من جهة أخرى كان أحد عناصر تفاقم مظاهرات عيدالشرطة2011م، فنسبة لا يستهان بها من المتعلمين ربما لا يدركون أنّ هنالك عملا حلالا يمكن أن يدر ربحا سنويا بمئات الآلاف من الجنيهات مثلا (أنا أدرك ذلك نظريا على الأقل بعد دراسة إدارة الأعمال)، بل إن بعض البسطاء لا يتخيلون أن أحدا أصلا بإمكانه حتى شراء سيارة حديثة لفرط بساطة حالهم. أضف إلى ذلك سيادة الرئيس غياب التوعية السياسية (المتظاهرون كانوا يظنون أن تغيير رئيس الجمهورية ربما مثل تغيير مدرب المنتخب سيؤدي لمزيد من الأهداف في المباريات القادمة)، والأهم كذلك غياب التوعية الاقتصادية والسياسية للصحفيين والإعلاميين والمذيعين وحتى لمعدي البرامج الحوارية الجماهيرية سواء في الإعلام الرسمي أو حتى الخاصّ. وخلال الأحداث الأخيرة تحديدا، كنتُ أستشعر دورا سافرا لآلة الإعلام العالميّ (ربما مع أدوار أخرى)، فالجارديان لم يرق لها نشر أخبار ثروةٍ مزعومة إلا في خضم ذروة الأحداث، ومع تصاعد نجم النائب اللواء عمر سليمان كانت الأخبار المنسوبة لويكيليكس هي الأخرى تتراكم، بل إن وثائق مزعومة واضح أنها مفبركة منسوبة لوزارة الداخلية انتشرت هي الأخرى، مما كان يزيد الموقف اشتعالا في ميدان التحرير، وأحمدُ الله أن وفق إلى تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة فهي كانت المؤسسة الوحيدة الحاضرة بكامل عافيتها في دولة مثل مصر بتركيبتها الاجتماعية الخاصّة.