شهدت قاعة المجلس الأعلى للثقافة يوم السبت الماضى العرض الأول للفيلم التسجيلى المصرى «حرق أوبرا القاهرة» (40 دقيقة) إخراج كمال عبدالعزيز، وبعد العرض أقيمت ندوة عن الفيلم أدارها الدكتور عماد أبوغازى، أمين عام المجلس، الأستاذ الجامعى فى التاريخ، مع أستاذ آخر من جيله هو الدكتور محمد عفيفى، وكاتب هذه السطور. هذا أول فيلم يخرجه مدير التصوير السينمائى المعروف، ويعبر عن اهتمامه القديم كأحد المثقفين القلائل الذين يبحثون عن وثائق تاريخ مصر الفوتوغرافية والسينمائية، ويحفظونها فى مجموعاتهم الخاصة. ففى إطار هذا البحث، عثر على وثيقة سينمائية لعاشق مصرى للأوبرا من أصل إيطالى صور حريق أوبرا القاهرة عام 1971 على شريط مقاس 8 مللى، الذى كان يستخدمه هواة السينما حتى ذلك الحين، وقرر كمال عبدالعزيز إنتاج وإخراج فيلمه ليفتح من جديد عام 2011 بعد 40 سنة تماماً ملف ذلك الحدث الكبير. حقق الفنان الموهوب الحريق مع صالح عبدون، آخر مدير للأوبرا، وراقصة الباليه الرائدة ماجدة صالح، والمايسترو مؤلف الموسيقى مصطفى ناجى، وعدد من مغنى الأوبرا مثل رتيبة الحفنى وفيوليت مقار، ومع كبير النجارين وكبير عمال الإضاءة، وكل من استطاع الوصول إليهم من معاصرى الحدث، وقام بصياغة شهاداتهم مع الوثائق وأهمها فيلم الهواة النادر على نحو سينمائى جعل فيلمه من أهم الأفلام التسجيلية المصرية. عنوان الفيلم ليس «حريق أوبرا القاهرة»، وإنما «حرق أوبرا القاهرة»، وبهذا العنوان يلخص كمال عبدالعزيز النتيجة التى توصل إليها بحثه، وهى أن الأوبرا حرقت بفعل فاعل، أو بعبارة أخرى سرقت وحرقت، وكان هذا ما تردد وقت الحريق الذى عاصرته وشاهدته بعينى فى يوم لا ينسى، ولكن القضية فى النهاية حفظت ضد مجهول. والقضية ليست فى وجود لصوص يسرقون ويحرقون، وإنما أن تصل جرأتهم إلى درجة القيام بهذه الجريمة، بسبب شعورهم بغياب القانون الذى يمثل عصب الدولة المدنية المصرية الحديثة التى أسسها محمد على مطلع القرن التاسع عشر الميلادى. لقد أقيمت مطافئ القاهرة المركزية بجوار الأوبرا عن عمد لإنقاذها من أى حريق، ولكن فيلم الهواة - الوثيقة يوضح أن الخراطيم كانت ممزقة، والمياه لم تكن كافية، وهذا يعبر عن مدى رخاوة الدولة فى ظل غياب القانون، الذى لا يعنى عدم وجود قوانين، وإنما عدم المساواة بين جميع المواطنين عند تطبيقها. كان إنشاء الأوبرا عام 1896 رمزاً لوصول الدولة الحديثة إلى ذروتها الأولى فى عهد الخديو إسماعيل، وكان حرقها عام 1971 رمزاً لحلقة جديدة من حلقات الارتداد عن الحداثة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. [email protected]