هالنى ما قرأته عن فتاة قتلت تسعة من أفراد أسرتها من أجل شهوة الزواج بمن تحب، لتعيد إلى ذاكرتى حكاية (موتشيه ثيان). خادمة القصر الإمبراطورى وقتلها أمّها وأختها وأخاها والإمبراطور ليأتى حبيبها، الذى هجرها إلى جنازة أحدهم بعد أن شاهدته فى جنازة والدها، وعندما عرف ابن الإمبراطور سبب الجريمة زاده ذلك إعجابا بها واتخذها زوجة وتوجّها إمبراطورة على عرش مملكة الصين، فأىّ شهوة تلك التى تُقدّم لها القرابين الغالية وتُسكب من أجلها الدماء المحرّمة؟ وأىّ شريان حبّ يصل بين رعية من الغرباء ومن قطّعت شريان رحم وحب حقيقىّ؟ لذلك بدأت أبحث عن رابط بين شهوة الاستئثار بالحبيب والاستئثار بالسُلطة، فما وجدت للشهوة تفسيرا إلاّ أنّها أساس الخطايا والشقاء حين تستعبد النفس، التى قال عنها تعالى: (ونفس وما سوّاها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكّاها. وقد خاب من دسّاها) ولم تخل الأساطير من ذمّ الشهوة، فهذا (بوذا) يقول إنه حين جلس تحت شجرة المعرفة وجد أن السعادة فى الانتصار على الشهوة. وما أغرب ما يراودنى من رغبة مجنونة فى تقمّص عشاق السلطة، وسبر أغوار مشاعرهم للوصول إلى علّة ذلك العشق القاتل الذى ما إن تتصاعد فورته حتّى تنقلب نعمته إلى نقمة إذا ما اعترضها شيطان التسلط وجنون العظمة، وقد أبدع شكسبير حين سلّط الضوء على (ماكبث) القائد الأسكتلندى، الذى قادته شهوة العرش إلى قتل مَلِكه وصديقه، وسحق كل القيم والتمرغ فى أحضان الشرّ ليؤدى ذلك إلى انتحار زوجته وشعوره بالخوف والوحدة وصراع داخلى وذنب منهزم أمام سطوة الشر، لتأخذنى تلك الأحداث فى رحلة انفصال روحىّ وجدتنى فيها أمام عملاق يحمل بين كفيه كرسىّ السلطة السحرىّ أتسيّده يومين لاغير، حتى إذا ما استقر بى عليه المقام اجتاحتنى انتفاضة خوف شديد لم أستعد منها جأشى إلا بعد حين، لأضع أجندتى المزدحمة بالأولويات وأقف حائرة بأيّها أبدأ؟ الاحتلال- الإرهاب- الفساد- القضاء السجون الدستور التعليم- الصحة- تنظيف الشوارع والأحياء ممافيها من مخلّفات- أزمة الجفاف- الكهرباء- توفير فرص العمل والسكن للشباب- الأحزاب التى أصبحت بعدد البقالات؟ شعرت بدوار عاجزة أسأل عن أى مستشارين أكفّاء ومساعدين ذوى ولاء ومجالس هدفها عمل جاد من أجل وطن ومواطن، وقبل أن يصلنى ردّه دقّ ناقوس الوقت معلنا قرب انتهاء الوقت المحدد، حاولت التمديد متوسلة دون جدوى، فما كان إلاّ أن أطلب منه تسليمى الخزانة وما فيها قبل مغادرة الكرسى، الذى كاد يفتننى، ومعها أرصدة النخبة ليشعروا بما يشعر به العامة من عَوَز وغلاء، خاصة وقد حصرت مهمتى فى الداخل وبنائه، الذى يحدد فيما بعد العلاقة بالخارج إذا ما تحققت الطموحات وأولها القضاء على الإرهاب بمساومة خلاياه، وشراء الأمان بضعف ما يقبضونه من تجار الدم، وبناء المستشفيات والجامعات والمدارس وتشييد المصانع الكبرى من أرصدة النخبه لإتاحة فرص عمل للشباب وبناء المدن السكنية، تمويل البحوث العلمية والاهتمام بالزراعة، وإقامة حملات توعية ثقافية عامة لبناء مجتمع يعرف ما له وما عليه، وإنشاء قنوات إعلام فاضل فى مواجهة إعلام رخيص.. وهكذا يأخذنى الخيال إلى نشوة عشق سلطوى يوقظنى منه خبر انفجار مفخخ لأجد أنى كنت على بساط رغبة يحمله عملاق إرادة ربما تتجسد حقيقة فى الغد القريب.