أصدرت «المحكمة الإدارية العليا»، قبل جولة الإعادة فى انتخابات مجلس الشعب، حكما تاريخيا جديدا، قضى بتأييد أحكام القضاء الإدارى الصادرة بوقف تنفيذ قرارات إعلان نتائج الجولة الأولى. وليس لهذا الحكم، من الناحية القانونية، سوى معنى واحد، وهو بطلان الجولة الثانية من الانتخابات التى تعين على الحكومة ألا تقدم على إجرائها إلا بعد تصحيح ما شاب الجولة الأولى من عيوب قانونية. ولأن الحكومة لا ترغب فى تصحيح هذه العيوب، فقد لجأت إلى حيلة تقليدية، وهى الاستشكال أمام القضاء العادى، لوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى. غير أنه ثبت أيضا أن هذه الحيلة نفسها غير قانونية بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا فى حكم سابق بعدم جواز الاستشكال أمام القضاء العادى لوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى، وهو ما يعنى أن الأحكام التى صدرت بوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى هى نفسها باطلة ومنعدمة. وتلك ليست مجرد «وجهة نظر» قانونية، تقابلها وجهات نظر قانونية أخرى - كما يدعى البعض - ترى أن اللجنة العليا للانتخابات هى وحدها المخول لها إعلان نتائج الانتخابات، بل هذا هو حكم القانون بعينه، ولا محل لاجتهادات أخرى بشأنه. لم يعد هناك أى مجال للتشكيك فى أن القضاء الإدارى هو وحده المختص بالنظر فى الطعون المتعلقة بسلامة الإجراءات الانتخابية. ولأن «اللجنة العليا للانتخابات» ليست هيئة قضائية، وإنما تعد إحدى الأدوات السياسية التى استحدثها النظام للتغطية على جريمة كبرى أدمنها، ألا وهى جريمة تزوير إرادة الناخبين، فمن الطبيعى أن تكون هناك جهة قضائية واحدة يمكن للمرشحين أن يحتكموا إليها للفصل فى الطعون المتعلقة بسلامة الإجراءات، وليس بمدى توافر معايير النزاهة. ولا توجد جهة أخرى تملك هذه الصلاحية سوى المحاكم الإدارية، وعلى رأسها المحكمة العليا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن «اللجنة العليا للانتخابات»، بتشكيلها الحالى، قابلة للطعن فى دستوريتها لأن المشرع لم يراع فى تشكيلها شرطى الحياد والنزاهة، وفقا لما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 88 المعدلة، لأدركنا أنه لا يمكن التعويل مطلقا على هذه اللجنة للاطمئنان إلى سلامة الانتخابات من الناحية القانونية. منذ أسابيع، وتحديدا فى يوم 12/11، أشرت فى مقال نشر فى هذه الزاوية تحت عنوان: «هل تحكم الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟!» - إلى جهود تبذل لرفع دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا لاستصدار حكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب الحالية، حتى قبل إجرائها، استنادا إلى عوار دستورى شاب تشكيل اللجنة العليا للانتخابات. وبعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه، أظن أنه لم تعد هناك حاجة لحكم جديد تصدره المحكمة الدستورية العليا لإثبات هذا البطلان، خصوصا بعد أن أكدت المحكمة الإدارية العليا فى حكمها التاريخى الجديد أن «مجلس الدولة يظل هو المختص بنظر الطعون المقامة بشأن قرارات إعلان النتيجة دون مجلس الشعب، لأن الأخير لا ينعقد له اختصاص إلا بالنسبة للطعون الانتخابية المتعلقة بنتائج الانتخابات التى تجرى وفق صحيح حكم القانون، التى تعلقت إرادة الناخبين بها، أما بالنسبة للطعون الخاصة بنتائج الانتخابات التى أجريت دون مراعاة للأحكام الصادرة من مجلس الدولة، فلا يكون هناك مجال لاتصال مجلس الشعب بها، لأن خروج اللجنة العليا للانتخابات عن حجية تلك الأحكام، وعدم تنفيذها رغم صدورها قبل التاريخ المحدد للانتخابات، ينعدم معه كل مركز قانونى ينشأ بعد ذلك، ويكون تكوين مجلس الشعب عندئذ مشوبا بشبهة البطلان». فهذا الحكم لا يشكك فقط فى شرعية مجلس الشعب المقبل، ولكنه يشكك أيضا، بل يطعن، فى مصداقية اللجنة المشرفة على الانتخابات. تحية لمحكمة إدارية عليا لاتزال ترى أن ضميرها القانونى يفرض عليها أن تصر على ضرورة انصياع الحكومة لحكم القانون، رغم أنها تعمل تحت مظلة نظام سياسى تدرك يقينا أنه لا يحترم القانون ولا يهتم مطلقا بإقامة دولة القانون.