يوم الجمعة الماضى كان عيد ميلاد فنان السينما الفرنسى الكبير جان لوك جودار.. فى نفس اليوم كان افتتاح مهرجان مراكش العاشر، ومن المؤكد أن صديقى العزيز نورالدين صايل، نائب رئيس المهرجان لم ينتبه إلى هذه المصادفة، وإلا لكان احتفاله ببلوغ «جودار» سن الثمانين كبيراً بما يليق بالفنان العالمى، خاصة أن موضوع البرنامج التاريخى للمهرجان هذا العام «تاريخ السينما الفرنسية»، التى شهدت مولد السينما منذ 115 عاماً مع اختراع سينما توجراف لوميير. فى كل فن هناك عدد محدود جداً من المبدعين، الذين يمكن أن يقال عنهم إن الفن مجال إبداعهم لم يعد معهم كما كان قبلهم، وينطبق ذلك فى السينما على جريفث وشابلن وأورسون ويلز على سبيل المثال، ويأتى جودار من بين العشرة الكبار من كل وجهات النظر، فالسينما معه لم تعد كما كانت قبله. وكما قال الناقد الفرنسى لجريدة «لوموند» جان ميشيل فريدون فى تقرير إيما شارلتون، الذى بثته وكالة الأنباء الفرنسية بمناسبة عيد ميلاد جودار الثمانين: «فى منتصف ستينيات القرن العشرين الميلادى الماضى كان جودار وبيكاسو أشهر اثنين من الفنانين فى العالم». ومنذ ثلاثين سنة اختار «جودار» الحياة فى قرية سويسرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 6 آلاف نسمة اسمها «روتى»، وكان قد حصل على الجنسية السويسرية، وهو فى الحادية والعشرين من عمره، وقال إنه اختار هذه القرية لأنها تقع فى «لا مكان»، وفيها يعيش مع صديقته المخرجة آن مارى ميفيل، التى اشتركت معه فى عدد من أفلامه.. وكما يقول عمدة القرية دانييل بيلوتى «الناس هنا يحترمون عاداته: النزهة مع كلبه، واحتساء القهوة فى الشارع الرئيسى، وشراء الصحف والسيجار». وربما يتصور البعض أن «جودار» أصبح شيخاً هرماً يفضل العزلة والهدوء ليستريح، ولكنه فى الحقيقة، وكما يبدو بوضوح من أحدث أفلامه «فيلم الاشتراكية»، الذى عرض فى مهرجان «كان» فى مايو الماضى، ليس منعزلاً، وإنما لم يعد يطيق الأضواء الدعائية، ولذلك لم يحضر مهرجان «كان» ولا حفل الأوسكار، حيث فاز بأوسكار الشرف هذا العام ويفضل الهدوء، ولكن ليفكر، فالجسد يحتاج إلى الراحة، ولكن عقل «جودار» لا يعرف الراحة، إنه مثل كل مفكر عظيم يحمل كل هموم الإنسانية. [email protected]