توقفت مليا أمام تصريح الدكتور أحمد فتحي سرور، الفقيه القانوني المحنك ورئيس مجلس الشعب المصري، في أعقاب إعلان نتيجة المرحلة الأولى من إنتخابات مجلس الشعب 2010 – 2015، حين قال: إن التنافس في دائرته كان شريفا بين المرشحين، "وكل واحد وشطارته". وبغض النظر عن يقيني الشخصي بما يتمتع به الدكتور سرور من خبرة طويلة وتاريخ حافل في مجال العمل البرلماني لا ينكرهما إلا مكابر، الأمر الذي يؤهله لإكتساب ثقة أي ناخب في تمثيله له، أخذتني كلمته "كل واحد وشطارته" إلى آفاق أخرى تتعلق بنماذج للمرشحين الذين قد يملكون أشكالا أخرى للشطارة. وكما جرت العادة حين تسفر النتائج عن فوز كاسح للحزب الحاكم وما يستتبعه ذلك من إبداء التذمر الشديد والغضب العارم من جانب جميع أطياف المعارضة، إنطلقت الإتهامات المتبادلة والمعتادة وأغفل الجميع في زخمها العنصر الرئيسي من عناصر تلك العملية الإنتخابية ألا وهو الناخب الذي أدلى بصوته. فلم يتعرض أي طرف من أطراف التنافس للدور الحقيقي الذي لعبه هذا الناخب في ما أسفرت عنه الإنتخابات من نتائج أو أحداث، حيث إكتفى الفائزون بالتباهي بثقة هذا الناخب فيهم وبادعاء أنه يعلم جيدا قدرة مرشحي الحزب الوطني على الأداء البرلماني المتميز، وإكتفى الخاسرون على الجانب الآخر بإخراج هذا الناخب من المعادلة تماما، بدعوى أن مشاركته في عملية التصويت لم تؤثر نهائيا في النتائج وكانت مشاركة "زي قِلّتها"! وليس منطقيا على الإطلاق أن يكون السبب الوحيد لهذا الفوز الساحق هو الثقة العمياء للناخب في مرشحي الحزب الوطني والمحسوبين عليه من المستقلين، وليس منطقيا كذلك أن يكون السبب الوحيد لخسارة الخاسرين هو الحَجر التام على إرادة الناخبين. فكلا الإدعاءين يتنافى مع طبائع الأمور ويعد إستخفافا بالعقول. وحيث أن مصطلح "إرادة الناخبين" يتسم بقدر كبير من المطاطية، وحيث أن العوامل التي تحدد إرادة الناخب وتؤثر على قراره كثيرة ومتباينة، وحيث أنه من أعظم المعضلات توضيح الواضحات، فيبدو أن قطاعا كبيرا من الناخبين الذين قاموا بالتصويت في العملية الإنتخابية الجارية قد لعبوا دور "المفعول به" وليس "الفاعل"، بعد أن خضعت إرادتهم لشطارة المرشح وقدرته على إنتزاع الصوت الإنتخابي، على عكس ما هو مأمول ومفترض من خضوع إرادة الناخب إلى إقتناعه بمدى جدارة المرشح بتمثيله في البرلمان، على نحو يستند إلى فهم الناخب وإدراكه الكامل بحقيقة هذا التمثيل وكيفيته وطبيعته، وبالتالي نتائجه وآثاره الإيجابية المحتملة في إطار العملية التشريعية. ولا يقع اللوم في الوضع الراهن على هذا النوع من المرشحين "الشطار" فقط، سواء الناجحين منهم أو الذين خذلتهم "شطارتهم" فخسروا، ولا حتى على أبطال مشاهد "الأكشن" ومرتكبي مظاهر الإنحراف والفساد والتزوير التي شوهدت في عدة لجان، بل ساهم فيه دون قصد شريحة من الناخبين الذين يعانون من أمية سياسية مزمنة يزيد من وطأتها متاعب الحياة وصعوبات المعيشة، مما جعل إرادة الناخب تبتعد تماما عن المعيار الأساسي لتحديد أفضلية المرشح في حالة نجاحه كفرد سينوب عن ناخبه في وضع القوانين ومساءلة منفذيها. وتقع على عاتق جميع الجهات المعنية في هذا الصدد مسؤولية جسيمة فيما يتعلق بدراسة سبل القضاء على تلك الأمية السياسية، وإذكاء الوعي لدى المواطن المصري بحقيقة مفادها أن التشريعات والقوانين التي سيسهم في وضعها المرشح الناجح، هي التي سترعى مصالحه وتوفر له الخدمات وليس المرشح نفسه، كي يكون إختياره مبنيا على أسس مستنيرة تكفل قيامه بدور "الفاعل" وليس "المفعول به" أثناء إختياره لمن سيمثلونه في الهيئات التشريعية.