الأسئلة التى تثار حول الانتخابات كثيرة، بل كثيرة جداً. نواجهها أينما ذهبنا، فى الداخل أو الخارج. من بين ذلك الخضم من التساؤلات هناك سؤال يدعو للحيرة ويستوجب التوضيح والتفسير، أعترف بأنى لا أجد له جواباً شافياً أو تفسيراً مقنعاً. فأى أمر محظور يعنى بأنه ممنوع وغير مشروع. ليس له كيان قانونى ولا يجوز التعامل معه بل يجب منعه أو إزالته أو عقابه حسب الأحوال. والدستور المصرى واضح فى منع قيام أى حزب دينى، إذ ينص صراحة فى المادة (5) على أنه لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعية دينية أو أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس. ذلك يعنى أنه إذا قام حزب على أساس الدين أو الجنس فإنه لا يكون مشروعاً ولا تكون له صفة حزب ولا تتعامل معه الأجهزة والمؤسسات المختلفة وكأنه حزب. لكن الواقع يقول غير ذلك ويؤكد أن هناك فى الساحة حزباً دينياً اسمه «المحظورة». وهذه ليست المشكلة فهناك أمور كثيرة محظورة لكنها موجودة. الغريب فى هذه الحالة أننا قمنا بتقنين وضع غير مشروع. جعلنا من المحظور مباحا، وأصبح الممنوع متاحاً وأسبغنا عليه الشرعية، بحيث أصبح له مرشحون وقوائم يعلن عنها، وتتعامل معه الصحافة على أنه حزب، وتشير إليه المنظمات الأهلية كأنه حزب، بل تتعامل معه الأجهزة الرسمية كحزب اسمه «المحظورة». الجرائد بأنواعها: القومية، والمعارضة، والصفراء، تنشر أنباء «المحظورة» فى نفس سياق نشر أخبار الوفد أو التجمع أو الوطنى، والأمثلة كثيرة: «القبض على ثلاثة من المحظورة بكفر الشيخ»، «سامح فهمى يوجه ضربة للمحظورة»، «طعن ضد مرشح المحظورة بالفيوم»، «مرشحة المحظورة تشيد بدور سوزان مبارك فى دعم المرأة»، «المصيلحى للمحظورة: لسنا خفافيش ظلام»، «المحظورة تشن هجوماً على داعية»، «المحظورة تواصل البلطجة»، «المحظورة ترصد تحركات المحجوب»، «الوطنى يساعد خطيباً لمواجهة المحظورة»، «صالون المحظورة يتصدى للمحجوب». ويتعامل المجتمع المدنى معها على أنها حزب: يعلن رئيس إحدى الجمعيات الأهلية لحقوق الإنسان أن «المحظورة» تنتهك القانون باستخدام الشعارات الدينية. حزب الوفد اعتبر هذه المجموعة نداً لهم ويصرح بأنهم «سوف يلقنون المحظورة درساً فى المعارك الانتخابية». أكثر من ذلك تتلقى منهم الأجهزة الرسمية قوائم مرشحيهم وكأنهم حزب. «بل تعترض المحظورة» على عدم إدراج مرشحيها فى مقعد العمال بالإسكندرية!! ويعلن القضاء الإدارى ضم 99 مرشحاً: وطنى ومحظورة ومستقلين! إنه «حزب» يتجاهل القوانين ويتحدى الدولة: «يعلن وزير الداخلية أنه إذا تقدم أى شخص باعتباره إخوانياً سيطبق عليه القانون». بينما يعلن على عبدالفتاح أن مرشحيهم سيدخلون الانتخابات باسم الإخوان. «تؤكد محكمة القضاء الإدارى أن شعار (الإسلام هو الحل) مخالف لقانون مباشرة الحقوق السياسية ثم نقرأ أن المحظورة تتحدى القانون وأن الجماعة لها مواقع انتخابية على الإنترنت تحت شعار (الإسلام هو الحل) وأن طلاب الإخوان يطلقون حملة (إصلاحيون) للتعريف ب(فكر الجماعة) وجمع توقيعات المطالب السبعة». إن تكرار التعامل معهم على أنهم حزب جعل الرأى العام يتعامل معهم على ذلك الأساس أليس فى ذلك خطورة وتضليل؟! هذا التناقض والتعارض فى إسباغ الصفة الشرعية على مرشحى «الجماعة» يثير التعجب خارجيا والقلق داخلياً، وقبل ذلك يدعو للتساؤل كيف نجعل المحظور مشروعاً ثم نتحدث عن سيادة القانون ولماذا لا يشار إليهم على أنهم من المستقلين إن كانوا كذلك أو أنهم دعاة الدولة الدينية. ألا يعتبر هذا سابقة لقيام أحزاب أو جماعات أخرى، فيشكل الشيعة حزباً يطلق عليه «المحظورة 2» ويصبح للمسيحيين المصريين «محظورة 3» وتقوم المرأة بتشكيل حزب نسائى وكذلك اليهود والبهائيون وغيرهم؟!.. أليس فى ذلك دعوى إلى التفتيت الذى يتمناه – ويسعى إليه – المتربصون بمصر؟ وماذا يمنع أن نخالف القانون والدستور ونتغاضى عن أفعال أو ممارسات مرفوضة قانوناً ثم نكتفى بأن نطلق عليها المحظورة؟ أليس فى كل هذا تناقض مبالغ فيه لا نخدع به إلا أنفسنا؟ إن المهادنة فى حسم هذا الخلط سوف تصبح سابقة خطيرة، بل خطوة تعنى أن عدم الالتزام بالقانون يمكن أن يصبح معترفاً به طالما نعطيه صفة «محظور» حتى فى أبسط الأمور، مثلا: نتغاضى عن أهمية بل حتمية منع التدخين فى المدارس، فنترك الطلبة يدخنون، وكل ما نفعله هو أن نطلق عليها «مدارس المحظور». نتغاضى عن تقديم الخمور فى أندية شباب أو مراكز رياضية ونطلق عليها «أندية المحظور» أو نسمح بقيام جماعات تدعو للتعصب والتفرقة بما يهدد استقرار الوطن ونكتفى بأن نسميها المحظورة!! وهنا التناقض واضح: نسمح بقيام أحزاب تعمل دون ترخيص تهدم تماسك المجتمع، بينما نهدم ونزيل منشآت تدعو للخير والمحبة لأنها دون ترخيص! إن من الدستور ترسى قاعدة مهمة، والفصل بين الدين والسياسة له حكمته، ذلك أن فيه تكريماً لمكانة الدين وتفعيلاً لمسيرة السياسة، وفيه تأكيد لمبادئ المساواة والمواطنة والعدل التى جاءت بها الأديان جميعاً، والخلط بين الدين والسياسة يتجاهل ماهية كل منهما. السياسة أمور مادية يحددها الإنسان، قابلة للنقد والنقاش والتغيير والتطوير، أما الدين فهو مسألة روحانية سامية، مسألة عقيدة وإيمان لا تخضع قواعدها للإنسان بل للخالق، لا مجال فيها للنقاش والنقد والتصحيح. كما أن العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم تقوم على المساواة، السلطة فيها للشعب فوضها للحاكم له محاسبته وتوجيهه ونصحه أما العلاقة مع الخالق فإنها لا تقوم على الندية، إنما المخلوق فيها عبد مطيع. إن التمسك بمدنية الدولة ومدنية الأحزاب أمر لا يجوز أن يكون محل نقاش أو جدال أو لانتهاك القانون وفرض الأمر الواقع، والفرق كبير بين أحزاب تحترم الأديان وتدعم تعاليمها وأحزاب تدعو إلى دولة دينية. نريد أن نكون شعباً متديناً فى دولة مدنية تحترم القانون. وعندما يكون القانون سيداً فإن المحظور يكون محظوراً فعلاً وليس اسماً.