على مدخل مدينة الإسماعيلية توجد لافتة مكتوب عليها «ابتسم أنت فى الإسماعيلية»، أقترح على المحافظ تغييرها وشطبها لكتابة جملة أخرى أدق وأكثر تعبيراً عن المزاج المصرى الحالى، الجملة المقترحة «انتقم أنت فى الإسماعيلية»!، فما شاهدته فى هذه المدينة الجميلة يوم شم النسيم يشبه اغتصاب عروس جميلة وتمزيق ملابسها وتلطيخ وجهها وتشويه ملامحها بماء النار، فالمدينة بالفعل تزينت لاستقبال زوارها، حدائقها الغناء الرائعة سواء نمرة 6 أو الملاحة أو النخيل أو الكورنيش كانت فى أبهى صورها، اكتست المدينة باللون الأخضر المختلط بألوان الورود والزهور فى أغنى ثراء لونى مبهر، وأروع بورتريه ربانى، ولكن وآه من لكن، دخل التتار والهكسوس على حدائق الإسماعيلية لتتحول فى غمضة عين إلى مستعمرة «ياميت» التى تركتها إسرائيل خرابة بعد الانسحاب. ما شاهدته هو عداء صريح للجمال وتصالح شديد مع القبح، والسؤال: لماذا صار المصرى كارهاً للجمال؟.. ما شاهدته هو انتقام مع سبق الإصرار والترصد، الزهور تنزع بحقد وغل من الكبار قبل الأطفال، الحشائش تدهس ببلدوزرات أقدام أفيال الكراهية الآدمية، وبرغم أن المحافظة وفرت سلال القمامة، فإن فلول التتار أصرت على إلقاء بقايا الفسيخ والرنجة وكل ما لذ وطاب من زبالة الفضلات فى فضاء الجناين الفسيح!، خرجت المطاوى لتكتب على لحاء الأشجار بمنتهى الرداءة والتشويه والقسوة، شاهدت حفلة زار هستيرية وليس احتفالاً وفرحة وبهجة.. افتقاد لأدنى درجات الذوق وخصام مع أقل أحاسيس الجمال، كنت أحس بأن هناك عملية قتل جماعى منظمة وعلنية من عصابة بلطجية على أرواح تئن وتصرخ، فأنا أحس بالفعل بأن النبات له روح، وأن من يتعامل معه بهذه الطريقة الفجة قاتل. لماذا تصاعدت ألسنة لهب غريزة الانتقام من هؤلاء الذين جاءوا إلى هذا البلد الجميل تحت شعار البهجة والفرح؟، لماذا صرنا لا نحتمل مشهداً جميلاً أو منظراً بديعاً؟، لم نعد نحس بموسيقى أو فن تشكيلى أو رقص إيقاعى؟، كله صار بغرض وبمصلحة، الموسيقى لرنات الموبايل، اللوحة لبركة البيت، ولابد أن تكون خطاً عربياً وذات ملمح دينى، وممنوع التجسيد والتمثال ورسم ذوات الأرواح، أما الرقص فهو هشك بشك وهز وسط برسائل رغبة مكبوتة وليس إيقاعاً يسمو بطاقات جسد لا تنتهى. انتهكت عذرية الإسماعيلية وشوه صفاؤها وذبحت عذوبتها فى شم النسيم، الذى صار شم البانجو والهيروين، استقبلتهم الإسماعيلية بابتسامة فردوا عليها باللكمات والركلات، لو كان الفرنسيون يعرفون أن لمساتهم الجمالية على هذه المدينة ستنتهك وتشوه بهذه الطريقة لامتنعوا وهاجروا دون قتال. آسف يا مدينتنا الجميلة فالقبح فى مصر صار صاحب الدار، والجمال صار يتيماً لقيطاً.