فى لقاء جمع عدداً من أطباء العالم، بمدينة «مراكش» المغربية، مؤخراً، تساءل طبيب أمريكى كبير، عن السبب الذى يجعل مستوى صحة الإنسان الأمريكى، متأخراً عن نظيره فى أوروبا واليابان، رغم أن إنفاق الولاياتالمتحدة على الصحة عموماً، أعلى بكثير من إنفاق أوروبا واليابان عليها؟! الطبيب الأمريكى اسمه «كيرش»، وهو يشغل فى بلاده، موقعاً يجعله أقرب ما يكون إلى موقع الإشراف على جميع عمداء كليات الطب هناك، وهو - كما سمعت من د. أحمد عكاشة الذى كان حاضراً - مشغول البال، طوال الوقت، بالبحث عن سبب يجعل متوسط عمر الإنسان - مثلاً - فى أوروبا 80 سنة، وفى اليابان 82، ولكنه فى الولاياتالمتحدة فى حدود 70 سنة، لا يزيد! والمسألة لم تتوقف عند حدود متوسط عمر الإنسان فقط، ولكن تبين أيضاً، أن معدل وفيات الأطفال فى الولاياتالمتحدة، أعلى منه، فى أوروبا واليابان كذلك، ولو كان إنفاق واشنطن على الصحة، أقل منه فى العاصمة اليابانية، أو فى أى عاصمة أوروبية، لكانت المسألة، عندئذ، مفهومة، ولكن الذى يدفع إلى الحيرة حقاً، أنه إنفاق أعلى عند الأمريكان، عنه عند الأوروبيين واليابانيين.. فما هو السر إذن؟! فإذا أضفنا إلى ذلك كله، أن الرئيس «أوباما» كان قد نجح قبل شهور، فى تمرير أكبر مشروع للتأمين الصحى، فى تاريخ بلده، بما يؤدى إلى التأمين على صحة 50 مليون أمريكى، كان للطبيب الأمريكى فى مراكش، والحال هكذا، أن تزداد حيرته، وأن يظل يفتش عن إجابة، عن هذا اللغز! ولأمر ما، فإن الله أراد ألا تطول حيرة الطبيب «كيرش»، لأنه هو نفسه اكتشف، ثم أعلن، أن السبب شىء وحيد اسمه التعليم، الذى يظل وضعه فى داخل الولاياتالمتحدة، على عكس وضع الصحة، من حيث الإنفاق العام، لأنه قد اتضح بعد بحث طويل، أن سر تمتع الإنسان الأوروبى واليابانى بمتوسط عمر أطول، هو أن مستوى التعليم المتاح لديهما أفضل منه، فى أمريكا، ولذلك، فهناك علاقة وثيقة، تكشف عنها التجربة، كما نرى، بين حصول الإنسان على تعليم متميز، وبين طول عمره، وكذلك الحال طبعاً، بالنسبة للأطفال! فما معنى هذا بالنسبة لنا هنا؟!.. معناه أن مشروع التأمين الصحى، الذى تتكلم عنه الحكومة، حالياً، ومنذ فترة، لن يكون له أى عائد حقيقى على مستوى صحة الإنسان المصرى، ومتوسط عمره، وصحة الأطفال عموماً، ما لم يسبقه تعليم يليق بهؤلاء المصريين التعساء، الذين لا يتلقون تعليماً جيداً، من أى نوع! معناه أن السبعة مليارات جنيه، التى يريدها د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع التأمين الصحى الكبير، سوف تظل تصب خارج الكأس، وأنها لن تكون مجدية إلا إذا أنفقنا ضعفها، أولاً، على التعليم.. وإلا.. فسوف تكون 7 مليارات فى الهواء!