أربعون مدينة حول العالم احتفلت الأيام الماضية ب«أسبوع الأبارتيد الإسرائيلى». فمنذ عام 2005 ينظم أصحاب الضمائر الحية فى كل مكان، فى الأسبوع الأول من مارس، فعاليات مختلفة، هدفها كسر جدار الصمت عما يجرى فى فلسطين ومواجهة زيف الدعاية الإسرائيلية، التى تهدف لتبييض وجه الاحتلال وتبرير الجرائم الإسرائيلية باسم «الدفاع عن النفس». لكن أسبوع الأبارتيد الإسرائيلى شهد هذا العام حدثا مهما، إذ تم خلاله تسليط الضوء على بيان صدر باسم المسيحيين الفلسطينيين. وأهمية البيان الموجه للمجتمع الدولى، وبالذات لأصحاب الإيمان المسيحى فى العالم الغربى، أنه دعا لما هو أبعد مما يدعو له النشطاء كل عام منذ 2005. فأسبوع الأبارتيد الإسرائيلى هو إحدى فعاليات الحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل. وهى حركة عالمية متنامية هدفها نزع الشرعية عن الاحتلال وإجبار إسرائيل عبر المقاطعة على إنهاء سياستها الاستعمارية والعنصرية، تماما كما حدث مع نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا. إلا أن بيان المسيحيين الفلسطينيين يطالب بما هو أبعد من ذلك، فهو دعا إلى فرض «عقوبات اقتصادية» شاملة على إسرائيل، أى نقل مطالب الحركة لنقطة أعلى. ورغم أن البيان لم يلق اهتماماً يذكر فى إعلامنا ولا اهتمت به المؤسسات الرسمية العربية للأسف فإنه يستحق تسليط الأضواء عليه، ففضلاً عن أنه يشرح بالتفصيل للعالم الغربى حجم المأساة الفلسطينية، التى وصفها فى أكثر من موضع بأنها وصلت ل«طريق مسدود»، لأن السياسيين «قانعون بإدارة الصراع لا حله»، فإن اللغة القوية التى كتب بها البيان بالغة الوضوح والرصانة فى تحميل الأطراف المختلفة مسؤولياتها عما يجرى على أرض فلسطين. ففى الوقت الذى لم ينكر فيه البيان مسؤولية الفلسطينيين عن الانقسام الكارثى بينهم، فإنه ذكر بوضوح أن «المجتمع الدولى يقع عليه جزء مهم من المسؤولية، حين رفض الاعتراف بإرادة الشعب الفلسطينى التى عبر عنها فى انتخابات ديمقراطية وقانونية فى 2006». وبينما رفض البيان بلغة قوية وصف المقاومة بالإرهاب، فإنه رفض السعى لإقامة دولة دينية، يهودية أو إسلامية، على أرض فلسطين. وفى الوقت الذى أكد فيه اعتبار الاحتلال «خطيئة» ودعا كل مسيحيى العالم لمواجهته، فإنه رفض بمنتهى الوضوح التفسيرات الدينية التى يتبناها بعض المسيحيين الأمريكيين ويسوغون من خلالها القهر والظلم على أرض فلسطين. أما إذا سألتنى، عزيزى القارئ، عن أهمية بيان كهذا كتبه المسيحيون الفلسطينيون ووجّهوه للعالم أو عن أهمية أسبوع الأبارتيد الإسرائيلى، فسوف أطلب منك أن تقارن بين ما يقوله البعض عندنا من أن المقاطعة عمل غير واقعى وبين ما جرى فى مؤتمر هرتزليا ذى الدلالات التاريخية والأهمية الاستراتيجية. فحين انعقد ذلك المؤتمر الشهر الماضى، قدم فيه أحد أهم مراكز الفكر الإسرائيلية دراسة قال فيها إن تلك الحملات الدولية التى تهدف لنزع الشرعية عن الاحتلال صارت «فعالة وأنها تنطوى على مغزى استراتيجى مهم، ومن شأنها أن تتحول فى غضون سنوات قليلة إلى تهديد وجودى شامل» لإسرائيل.