فاز «ماريو فارجاس يوسا» بجائزة نوبل للآداب، وأنهى فوزه العديد من التكهنات التى باتت متكررة سنوياً، وفى عالمنا العربى نجد سباقاً سنوياً فى التوقعات بفوز كاتب عربى. اسم «أدونيس» الشاعر والمفكر السورى يظهر كل سنة فى بورصة التوقعات الأوروبية، وظهر كذلك مرة اسم د.نوال السعداوى، وتردد هذا العام اسم الروائية الجزائرية التى تكتب بالفرنسية «آسيا جبار»، ثم ظهر اسم الروائى الفلسطينى «إلياس خورى».. وكان هناك توقع أن تمنح الجائزة مناصفة له مع الروائى الإسرائيلى عاموس عوز. هذه كلها مجرد توقعات، لكن لا توجد معلومة مؤكدة من داخل لجنة الجائزة حول أسماء المرشحين أو المرشحات،ومَنْ مِنْ الكتاب العرب كان مرشحاً بالفعل، ومن اقترب من الفوز؟ والعودة إلى تجربة نجيب محفوظ يمكن أن تساعدنا. نال «محفوظ» نوبل سنة 1988، وقرار الفوز أشاد بعدد من أعماله هى «زقاق المدق»، «بداية ونهاية»، «الثلاثية»، «أولاد حارتنا»، أى أعماله التى صدرت فى الأربعينيات والخمسينيات، كانت «أولاد حارتنا» قد نشرت سنة 1959، وهذا يعنى أن «محفوظ» من الناحية الأدبية والنقدية استحق نوبل فى 1959، لكنها تأخرت عليه حوالى ثلاثة عقود، وهذا يقودنا إلى عنصر آخر فى منح الجائزة، يمكن أن نسميه عنصر المواءمة ويمكن أن نعتبره العامل السياسى، وأظن أنه فى نهاية الخمسينيات والستينيات لم يكن ممكناً منح أديب عربى الجائزة، كانت المنطقة، ومن ثم الثقافة العربية، فى حالة مواجهة مع الغرب الاستعمارى، وعداء مطلق لإسرائيل، لم يقدر الغرب أسبابه ولا تفهم دواعيه، ومن ثم لم يكن ممكناً مكافأة الثقافة العربية بجائزة دولية (غربية)، فقد كان ذلك يعنى مكافأة العداء للغرب أو على الأقل مكافأة عدم السير فى منظومته، والخروج على قيمه، وربما كان الرئيس عبدالناصر واعياً بذلك، لذا تمنى أن يفوز توفيق الحكيم بها وسانده فى ذلك. فى نهاية الثمانينيات كان الأمر قد اختلف، أنجزت مصر السلام مع إسرائيل وانفتح العرب على الغرب وبدا أنهم فى الطريق إلى الاندماج بالمنظومة الغربية، ومن ثم كان لابد من مكافأة الثقافة العربية وتشجيع العرب على مزيد من الانفتاح ومن الاندماج، فتقرر أن تتجه نوبل إلى أحد الكتاب العرب ودرست اللجنة بعناية وذهبت الجائزة إلى «نجيب محفوظ» عن استحقاق أدبى وجدارة فنية، وإلى اليوم فإن اسم «نجيب محفوظ» يأتى فى مقدمة المتميزين من الحاصلين على نوبل جدارة واستحقاقاً، ومازالت أعماله موضع احتفاء نقدى وتصدر لها ترجمات جديدة. المشهد الآن مختلف بالنسبة لصورة العرب ومكانة الثقافة العربية، ثقافتنا متهمة منذ 11 سبتمبر أنها تفرز العنف والإرهاب وأنها ثقافة التعصب وكراهية الآخر، ومجتمعاتنا متهمة منذ سقوط صدام سنة 2003، أنها متخلفة وتقبل الاستبداد وتنتظر الآخر ليحررها منه، أما هى كمجتمعات فتعانى الاستبداد ولا ترفضه ولا تقاومه، والدليل عندهم أن حزب البعث حكم العراق أربعة عقود تقريباً، وحتى حين سقط الطاغية تحول المجتمع إلى عنف وتناحر مذهبى مقيت، قتل على الهوية.. وفى فلسطين نرى الصورة بين حماس وفتح، وفى السودان هناك رئيس مطلوب جنائياً.. تلك صورة ثقافتنا وحال مجتمعاتنا. فى ظل هذه الأوضاع يجب ألا أن نتوقع من الغرب أن يكافئنا ثقافياً ويمنح كاتباً عربياً جائزته الكبرى «نوبل»، أتصور أنها بعيدة عنا. تلك قناعتى منذ سنوات وستبقى لفترة قادمة. وأتمنى أن يستوعب ذلك من يتلهفون سنوياً متوقعين أن يفوز بالجائزة كاتب عربى، لن يحدث ذلك فى الوقت القريب، ذلك أن هناك بعض كتابنا يُعدون أنفسهم ل«نوبل»، ويتقمصون بعض الخطوات التى يتصورون أنها الباب الملكى للجائزة. وبودى لو استمع هؤلاء إلى قول «يوسا» منذ فترة: «إن التفكير فى الجائزة يفسد أسلوب الكاتب». وإذا كانت الجائزة بعيدة عنا منذ 22 عاماً، وربما تبقى بعيدة لفترة، فهذا لا يعنى أنه ليس لدينا كتاب يرقون إليها، لدينا غير كل الأسماء التى ظهرت فى «بورصة» الترشيحات عدد من الكتاب يرقون إلى الجائزة، ويفوقون إبداعياً بعض الأسماء التى فازت فى السنوات الأخيرة، ومن حسن الحظ أن صارت لدينا جوائز عديدة للمبدعين فى مصر والمنطقة العربية، تحمل تقديراً خاصاً لإنتاجهم وتميزهم الإبداعى.. وإذا كان كتاب الإسبانية لديهم جائزة «ثرفانتس» وفى بريطانيا «البوكر» وفى فرنسا «الجونكور»، فلدينا فى مصر جائزة الدولة وجائزة ساويرس، وفى منطقة الخليج هناك جائزتا «العويس» و«البوكر العربية»، أما جائزة «نوبل» فهى محكومة باعتبارات ومعايير أخرى إلى جوار المعايير الإبداعية والفنية. ■ ملحوظة: حين أعلن فوز «ماريو فارجاس يوسا» ظهر الخميس بجائزة نوبل، توقعت أن أجد صفحة عنه- على الأقل- فى كل صحيفة مصرية، لكن خاب ظنى، رغم أن معظم إنتاج «يوسا» مترجم إلى العربية وموجود فى مكتبات القاهرة، المركز القومى للترجمة أصدر قبل حوالى شهرين آخر عملين له، ولدينا فى مصر عدد من المتخصصين تربطهم صداقة حميمة به، مثل د. حامد أبو أحمد و د.محمود على مكى، ولدينا فى أقسام اللغة الإسبانية من درس أعماله وتخصص بها. وهو زار مصر قبل ذلك، حيث التقى «نجيب محفوظ» ثم عقد له لقاء بعدد من المثقفين فى المجلس الأعلى للثقافة، ولقاء آخر بمكتبة الإسكندرية، أعرف أن أصدقاءه هنا ومن درسوا إنتاجه توقعوا أن تطلب منهم أى صحيفة الكتابة حوله أو التحدث عنه، لم تهتم صحفنا به، خاصة أن أهرام الجمعة به ملحق ثقافى وعدد الجمعة من الشروق به أربع صفحات ثقافية، أما صحيفتنا «المصرى اليوم» فقد تجاهلته تماماً، وذلك حال الأدب والثقافة فى صحفنا، قومية ومستقلة.