رغم كل شىء، فقد فوجئت بوجوده فى دار الأوبرا المصرية.. الدكتور ثروت عكاشة عاشق فاجنر.. طبعا هو لا يخرج من بيته هذه الأيام إلا للشديد القوى.. وأى شىء أشد من نقل حى بالأقمار الصناعية من أوبرا متروبوليتان فى أمريكا إلى أوبرا القاهرة.. بث حى ومباشر ورائعة فاجنر.. ذهب الراين، وهى مقدمة للدراما الملحمية خاتم النبلونج التى يقول عنها المخرج روبرت ليباج إنها ليست سلسلة من الأوبرات إنها عالم متكامل.. كان العرض مدهشا وبديعا وكانت التكنولوجيا تتألق مع فخامة الموسيقى وتتبارى مع صوت مغنى الأوبرا العالمى برين تيرفيل ومع فريق متميز مثل: جيمس لفاين.. ويندى براين هارمر.. وريتشارد كروفت وآخرين رائعين.. تذكرت على الفور وأنا أشاهد العرض شهداء الأوبرا المصرية رضا الوكيل وصبحى بدير وإيمان عبدالدايم ومنى رفلة ونسرين رشدى وأشرف سويلم.. ومجموعة جميلة من الأصوات ظلت مخلصة لفن الأوبرا فى ظروف ومناخ طارد للأسف الشديد، جعل منهم شهداء وضحايا.. ولكن ما فعله الدكتور محمود عبدالله، وهو بطل مشروع البث الأوبرالى المباشر هو شىء مبشر ورائع، يحيى الأمل فى نفوس الأوبراليين المصريين، ويلقى الضوء على الإنتاج العالمى.. ومازلت أذكر المؤلف الموسيقى المبدع عزيز الشوان وهو يحدثنى عن حلمه الكبير فى أن ترى أوبرا أنس الوجود النور ويتم تقديمها على مسرح دار الأوبرا، وقد عاش سنوات يحلم بذلك، إلى أن ظهرت للنور ففرح، وأظنه - رحمه الله - لو قدر له أن يرى عرض متروبوليتان الأخير لتمنى أن يبدع المصريون أعمالهم ولو بواحد على عشرة من تلك الإمكانيات.. أعود إلى مؤامرة محمود عبدالله لإنعاش الأعمال الأوبرالية مرة أخرى.. وأرى الكرة فى ملعب الأوبرالى الكاريزمى حسن كامى الذى كان سعيدا تلك الليلة وهو يستقبل ضيوف الأوبرا الطبيب العلامة الدكتور إبراهيم بدران والاقتصادى طاهر حلمى والسيدات الجميلات عاشقات الأوبرا.. هل سوف تتوافر امكانيات مناسبة لأوبرا القاهرة يا دكتور عبدالمنعم كامل؟! أنا رأيت الحديث الصامت بينه وبين الفنان فاروق حسنى، وزيرالثقافة، بعد العرض.. وكأن كل منهما يقول: أنا فى عرضك.. أمنيات فجرتها هذه المناسبة الاستفزازية.. وجعلت الذكريات تتداعى من الزمن الجميل، حيث كان الطموح الثقافى فى بلادنا فياضا، وفى الصدارة أيام انطلاقة البنية الثقافية على يد مبدع مدهش لا يتوقف عن الإبداع ولا يتوقف عن الدهشة حتى وهو يتجاوز عتبة الثمانين بدرجات.. هرم شامخ اسمه ثروت عكاشة.