يبدو أنه كان من الأسهل والأسلم أن أرتضى دور البطولة الذى أراد البعض أن ينسبه إلىّ، فأرمى الآخرين بالباطل دون تثبت أو تبيّن، فقط ليرتاح المتشنجون إلى فكرة وجود مؤامرة صليبية كونية تنفق فيها ملايين الجنيهات على شراء ضمائر الكتاب وذمم الصحف، ولو كان الهزل يليق فى موضع كهذا لقلت: وأين هى الملايين يا ناس؟ أرونى شيئا منها لكى لا تنسب التهمة إلىّ بالأونطة، لكن هذا ليس موضع الهزل، لذلك سأكتفى بأن أشكو همى إلى الله لأن هناك كثيرين ممن أمرهم جل وعلا بألا يفتشوا فى ضمائر الناس، وألا يرموهم بالنقائص دون دليل، ومع ذلك فهم لا يتورعون عن مخالفة أوامره، ولا يصدقون أن هناك كاتبا يمكن أن يختلف لوجه الله مع الصحيفة، التى يكتب فيها فيغضب لأنها منعت نشر مقالى الدكتور سليم العوا بعد أن نسب البعض وجود ضغوط عليها من أحد المساهمين فى ملكيتها، ثم عندما يتثبت من أن الصحيفة حجبت نشر المقالين لظنها أن هناك مؤامرة تحاك ضدها من قبل جهات متربصة بالحريات الصحفية وتسعى لاتخاذ ما جرى ذريعة لإغلاق الصحيفة، يقوم بتصحيح ذلك، فيرميه بالباطل أناس يريدونه أن يصمت، حتى لو كان فى صمته مساعدة على رمى الناس بالباطل. لم تؤلمنى الرسائل المسيحية التى هاجمتنى وبقسوة لأننى طالبت بمساءلة الأنبا بيشوى قانونيا وتحدثت عن الدكتور العوا بتقدير و«طبطبت عليه» كما تقول بعض الرسائل، ولا الرسائل التى كفرتنى ولعنتنى لأننى طالبت بمحاسبة الدكتور العوا وتحدثت عن البابا شنودة باحترام وتوقير، فقد تعودت على تلك اللهجة المتشنجة كلما كتبت فى الموضوع، ما آلمنى أكثر هو اتهام الزميل العزيز جمال سلطان لى فى صحيفة «المصريون» الإلكترونية بأننى خضت فى مقالاتى فى عِرض الدكتور محمد سليم العوا، ويشهد الله أننى قرأت ما كتبته أكثر من مائة مرة لأجد كلمة واحدة يمكن أن تنطبق عليها تلك التهمة الشنعاء، فلم أجد، ولست أدرى هل وصفى لحواره مع أحمد منصور فى الجزيرة بأنه حوار عصبى جريمة لا تغتفر.. هل هو حرام أن أختلف فى نقاط محددة مع الدكتور العوا بعد أن أعلنت مرارا احترامى وتقديرى له؟!، ألا يقدر الأستاذ جمال خطورة تهمة كهذه يلقيها فى مقاله فيصدقها من لم يقرأوا ما كتبته؟!، ثم لا يكتفى بذلك بل يتهمنى بأننى أحرض على صحيفته قضائيا، لمجرد أننى طالبت القائمين على (المصرى اليوم) والمهندس نجيب ساويرس بألا يلتزموا الصمت تجاه ما يوجه إليهم من اتهامات طائفية فى مواقع الإنترنت، تحرض عليهم الآخرين دون دليل، لكى يكون على الكلام جمرك، ولكى يفكر كل كاتب فى خطورة أى اتهام طائفى يوجهه للآخرين، ومع أننى لم أذكر اسم (المصريون) إلا أن الأستاذ جمال اعتبر الكلام موجها لصحيفته، ولا أدرى هل يريد أن يقول للناس إنها صحيفة ينبغى أن تظل منزهة عن أى حساب وإن أخطأت، ولست أدرى بأى منطق تعتبر فضيحة أن تدعو الناس لمحاسبة من أساء إليهم بدون دليل! على أى حال، يوسوس إلىّ الشيطان الرجيم أن أخوض مع الأستاذ جمال فى نقاش مطول حول كل كلمة كتبها بحقى هو وبعض قراء صحيفته الذين وجهوا إلىّ سبابا مؤسفا خاضوا فيه فى ذمتى ونزاهتى بل فى دينى، وهو ما يكشف الحقيقة المحزنة التى نعيشها الآن، وهى أن بعض من يحسبون أنهم يحسنون صنعا فى الدفاع عن الإسلام ينسون آدابه فى الحوار والاختلاف، ويظنون أنهم لن يحاسبوا أمام الله على ما يقولونه لمجرد أنهم يعتقدون أنهم وكلاء عن دينه. لكننى سأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لأفضل مناقشة دعوة كريمة وجهها إلىّ الأستاذ جمال فى نهاية مقاله وقد كنت أنتظرها منه من زمان، خاصة أننى ورغم كل ما بيننا من اختلافات أحسن الظن به، وكنت أتمنى ألا ينزلق هو وموقعه بل جميع المتدينين الغيورين على دينهم إلى مستنقع السباب والتشنج وإشعال الفتنة، وأن يكون خطابهم محكما ومحددا وعاقلا وهم يحتجون على ما جرى خلال الأسابيع الماضية منذ اندلاع أزمة كاميليا، التى لم تكن سوى عرض من أعراض مرض الفتنة الطائفية، الذى استشرى للأسف فى جسد مصر. يقول الأستاذ جمال فى مقاله، الذى حمل عنوان «تعالوا إلى كلمة سواء»: «أنا أدعو زميلنا العزيز بلال فضل إلى كلمة سواء، دعنا من العوا ومن بيشوى ومن ساويرس ومن مجدى الجلاد، لأن الاستغراق فى تلك الأزقة مضيعة للوقت وتغييب لجوهر المشكلة، تعال إلى صلب الأزمة وجوهرها، الرأى العام يطالب بالأساس بأن يبسط القانون سيادته على الكنيسة مثلما يبسطها على الأزهر والمساجد، وأن تخضع الكنائس للتفتيش كما تخضع المساجد لضمان عدم استخدامها من قبل متطرفين لأعمال وأنشطة ضد القانون، وأن يتم إطلاق سراح أى مواطنة تحتجزها الكنيسة وأسماؤهم مشهورة الآن، وأن تكون الولاية عليهم للدولة ومؤسساتها وأجهزتها الرسمية، وأن يتم تجريم تسليم أى مواطن للكنيسة بوصفها جهة غير مخولة قانونا بالسيطرة على المواطنين أو توقيفهم أو حبسهم، وأن تمتنع الكنيسة عن التورط فى الشأن السياسى العام بوصفها مؤسسة للرعاية الروحية، وأن يتوقف البابا عن الدعوة لمشروع التوريث والإعلان المتكرر عن دعمه وتأييده لأن هذا يجعل الكنيسة كلها خصما سياسيا لملايين المصريين، وأن يعتذر البابا أو الأنبا بيشوى عن إساءته إلى القرآن الكريم، وأن يتم تجريم التظاهرات التى تخرج من الكنائس أو من الكهنة ابتزازا للدولة لتحقيق مطالب طائفية أو غير قانونية تطلب تسليم مواطنين للكنيسة أو الاستيلاء على أراضى الدولة، هذه هى المطالب الأساسية للرأى العام، فإن رأيت أنها مشروعة وقانونية وعاقلة ومعقولة فلنسمع كلامك وتأييدك لها، وإن كانت غير ذلك فلتشرح لنا مشكورا أسباب عدم مشروعيتها وعدم قانونيتها، هذا أفضل لك وللوطن وأنجع لعلاج المشكل الطائفى الحالى». هذا ما كتبه الأستاذ جمال سلطان، أما تعليقى على كلامه فأنشره غدا بإذن الله إذا عشنا وكان لنا نشر. [email protected]