موعد ظهور نتيجة تحويلات تقليل الاغتراب 2025 رسميا    وزير العدل يفتتح مبنى محكمة كفر الدوار ويعلن موعد الانتهاء من تطوير محكمة دمنهور | صور    إقبال كبير على الأنشطة الصيفية بمدارس الطور في جنوب سيناء -صور    تحرك عاجل حل الأزمة.. خروج محطة صرف زراعي عن العمل بالإسكندرية- صور    محافظ سوهاج يعقد اللقاء الجماهيري الأسبوعي للاستماع إلى شكاوى وطلبات المواطنين    "الرقابة على الصادرات": 310 معامل تجري أكثر من 3500 اختبار لدعم تنافسية صادرات مصر    أحدث سيارة 7 راكب من شيري في مصر.. بقسط 14.8 ألف جنيه شهريًا.. التفاصيل    البيت الأبيض: ترامب يسعى لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا وإنهاء الحرب    روتمان يشكر نتنياهو لموقفه ضد الحكومة الأسترالية    محمد صلاح أول المرشحين .. بدء توافد الضيوف على حفل PFA Awards لاختيار أفضل لاعب في إنجلترا.. صور    الدراجات النارية تكتوي بنار رسوم ترامب الجمركية.. هل ترتفع أسعارها؟    الأهلي ينعي والد محمد الشناوي حارس الفريق    قبل نهاية الانتقالات.. مانشستر سيتي يحاول التخلص من 6 لاعبين    قرار عاجل من اتحاد الكرة بعد انسحاب الجونة من دوري السيدات (مستند)    صحيفة الاتحاد: مساعد مدرب أياكس ضمن المرشحين لقيادة الجزيرة خلفا ل عموتة    مسعف وسائق يعثران على 1.5 مليون جنيه ويسلمانها لأصحابها ببني سويف    "ابني كريم رد عليا".. صرخة أم في سوهاج بعد أن ابتلع النيل طفلها (القصة الكاملة)    نانسي عجرم عن زوجها فادي الهاشم: وجوده أساسي بحياتي (فيديو)    "رقص وفستان جريء".. 20 صورة ل ميريام فارس من حفلها بالسويد    بالفيديو | رقص عمرو دياب على موسيقى "أشغال شقة" في حفل الساحل.. وهشام ماجد يعلق    بدرية طلبة تنشر صورة من الإعدادية: "بحبني في كل مراحل حياتي"    "الصحفيين" تعلن القائمة القصيرة لجوائز الصحافة المصرية ب دورة محمود عوض 2025    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    أمين الفتوى: بر الوالدين أعظم الواجبات بعد عبادة الله ولا ينقطع بوفاتهما    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    بطاقة 200 سرير، تسليم الأرض المخصصة لإنشاء مستشفى كفر الشيخ العام الجديد    اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، التشخيص والعلاج عند الأطفال والكبار    ويجز يطرح "الأيام" أولى أغنيات ألبومه الجديد على يوتيوب    تفاصيل فيلم «جوازة في جنازة» ل نيللي كريم وشريف سلامة    من تيمور تيمور إلى نيازي مصطفى.. حوادث مأساوية أنهت حياة نجوم الفن    بالإجماع.. محمد مطيع يفوز برئاسة الاتحاد الإفريقي للسومو    لليوم الرابع.. "مستقبل وطن" يواصل اجتماعات لجنة ترشيحات النواب استعدادًا لانتخابات 2025    تقارير: 200 طفل يصابون يوميا بسوء تغذية حاد    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    الداخلية تكشف حقيقة فيديو مفبرك عن تعدي شرطي على الأهالي بأسوان    مسعف وسائق ببنى سويف يعثران على مليون و500 ألف جنيه فى حادث سير.. صور    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    موجة حارة.. حالة الطقس غدًا الأربعاء 20 أغسطس في المنيا ومحافظات الصعيد    تحليل: سيارات كبار السياسيين في ألمانيا تصدر انبعاثات تفوق المتوسط    وكيل تعليم بالأقصر يتفقد التدريب العملي لطلاب الثانوية الفندقية على أساسيات المطبخ الإيطالي    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يصدر إجراءات جديدة بشأن المكالمات الترويجية الإزعاجية    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    وزير الصحة يجتمع مع مجموعة BDR الهندية وشركة المستقبل للصناعات الدوائية لدعم توطين صناعة الدواء    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بعد جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يحيل مسؤولين بمستشفى نبروه للتحقيق    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    لافروف: أجواء محادثات بوتين وترامب فى ألاسكا كانت جيدة للغاية    التربية المدنية ودورها في تنمية الوعي والمسؤولية في ندوة بمجمع إعلام القليوبية    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دائرة الطائفية الجهنمية
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 10 - 2010

زاد الاحتقان الطائفى فى مصر، وتحوّل من صراع مكتوم إلى معارك معلنة، وصار التعصب والاتهامات المتبادلة لغة الحوار المعتمدة بين كثير من المسلمين والمسيحيين، ومع ذلك ظل هناك إصرار على تبسيط الأمور واختزالها فى انحرافات القلة الشاردة، واعتبار موائد الوحدة الوطنية وقُبلاتها المخرج من دائرة الطائفية الجهنمية وأخطارها.
ولعل أسوأ معالجة لهذه الحالة الجديدة هى تلك التى تنطلق من أن هناك طرفاً واحداً مسؤولاً عن تلك الأزمة، فحتى لو حملنا طرفاً مسؤولية أكبر، فإن هذا لا ينفى مسؤولية الطرف الآخر بأى حال من الأحوال.
والحقيقة أن السجال الأخير فجّره على السطح حديث الأنبا بيشوى ل«المصرى اليوم»، والإشارات الطائفية الكثيرة التى جاءت فيه، والذى استتبعته تعليقات لكثير من المفكرين والكتاب الإسلاميين عكست أزمة أكبر فى العمق.
ومن الوارد أن يخطئ رجل دين فى تصريح أو موقف، ومن الوارد أيضا أن يكون هناك متعصبون فى هذا الجانب أو ذاك، ولكن الأزمة الحقيقية تكمن فى «الطائفية الشعبية»، التى انتقلت من قلة متعصبة إلى شارع بات أكثر تعصبا، ووضع الجميع داخل دائرة جهنمية من التعصب والانغلاق، باتت تمتلك آليات خاصة لتعميق الشروخ والجروح بين المواطنين، لا بناء الجسور من أجل الخروج من تلك الحالة البائسة.
والحقيقة أن دائرة الطائفية الجهنمية بدأت حين فتحت الحكومة الباب على مصراعيه أمام خطاب «التأسلم الشكلى» المدعوم من المؤسسات الدينية الرسمية، وهو خليط من بيزنس الدعاة الجدد ورجال الدين الرسميين تواطأت معه التيارات الإسلامية المختلفة حتى أصبحت مصر نموذجاً يدرس فى تغييب العقل وفى التدين الشكلى.
لقد تركت الحكومة لما يقرب من ثلاثة عقود خطابا إسلاميا شكليا يهيمن على عقول المصريين، حكمته فلسفة غير رشيدة تقول إن كل شىء مباح، طالما ظل بعيدا عن العمل السياسى المنظم، فلا مانع من الأفكار الطائفية أو الظلامية أو حتى التكفيرية، طالما بعيدة عن السياسة ولا مانع من السب والقذف، طالما لا يمس أهل الحكم.
وفى سياق اعتمد الحياد حين وجب التدخل، وتدخل بقسوة حين كان يجب الابتعاد، نمت الطائفية الجديدة بسبب المجتمع الذى تُرك حتى أصبح طائفيا، وليس بسبب القلة المندسة أو المنحرفة، وأمسك كثير من المسلمين بكل ما هو شكلى ومتخلف ورد عليهم كثير من المسيحيين بكل ما هو متعصب ومنغلق.
ويبدو أن نماذج إسلامية لها إسهاماتها العميقة فى قضايا المواطنة والديمقراطية مثل الدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشرى والأستاذ فهمى هويدى، كان عتبهم على المسيحيين كبيراً، لإحساسهم بأنهم قدموا مشروعا فكريا يدعم من فكرة المواطنة، قابله الطرف المسيحى بتعصب أو بتجاهل، والحقيقة فقد غاب عن هؤلاء أن خطابهم ليس هو الخطاب المعتمد من قِبَل الدولة، وأن الخطاب الإسلامى المسيطر لا علاقة له بالعقل والمواطنة والديمقراطية التى بشروا بها، وأن رفض المسيحيين وكثير من المسلمين تلك الأسلمة الشكلية لا يعنى رفضهم المشروع الفكرى لهؤلاء، لأنه ببساطة غير موجود فى الواقع اليومى.
ولعل من هناك يكمن خلافى مع رجل بقيمة وقامة محمد سليم العوا، حين أصر على قراءة الأزمة الطائفية من جانب واحد واعتبر تصريحات الأنبا بيشوى المسيئة والمرفوضة تعبيراً عن الخطاب المسيحى الجديد، الذى اعتبره متعصبا ويستقوى بالخارج حتى أصبحت الكنيسة دولة داخل أو فوق الدولة.
والمؤكد أن كثيراً من المسلمين أصروا على أن يتحدثوا عن مظاهر التعصب المسيحى، وكانوا محقين فى معظمها، ولكنهم نسوا أو تناسوا الإشارة إلى أى مسؤولية للمسلمين عن هذا التعصب الذى أصاب شركاءهم فى الوطن، وكيف أن تعصب الأغلبية وفشلها فى تقديم نموذج إسلامى يحترم العقل والأخلاق ويقيم ديمقراطية وتنمية، دفعا المسيحيين إلى التعصب والانغلاق والتحسس الزائد من كل هو إسلامى.
إن مطالبة المسيحيين والكنيسة باحترام الدستور والقانون أمر بديهى، ولكن اختزال مشكلة مصر فى أن البابا قال إنه لن يطبق أحكام القضاء المخالفة للشريعة المسيحية، يتجاهل بشكل صارخ مضمون الخطاب الإسلامى، الذى يؤكد كل يوم نفس المعنى إسلاميا، كما يتناسى أن دولة القانون، التى يطالب الدكتور العوا الكنيسة بالالتزام بها لم تعد تقريبا موجودة على أرض الواقع، فهل يطبق القانون فى مصر على الأقوياء؟! وهل صدم بالحكم الجديد الصادر ضد هشام طلعت مصطفى كما صدمت مصر همسا، وما هى دلالته بالنسبة لفقيه قانونى مثل الدكتور العوا؟! وهل الاستقواء بالخارج ليس سلاحاً فى يد الأقوياء لمواجهة كل ما هو وطنى؟!، وهل هناك دولة قانون تترك اثنين من جنودها فريسة حفنة من الجمهور التونسى، بعد أن وقفت الرتب الكبيرة (ذات الكروش الكبيرة أيضا) تتفرج على الاعتداء الهمجى الذى تعرضا له، فى حين أن جمهور الكرة المصرى يتعرض لكل أنواع التنكيل لأنه يحمل علامة «المصرى» فى بلده مصر؟!.
كل هذه المشاهد يجب ألا تغيب عن أعيننا حين نطالب الكنيسة وكل من يمتلك سطوة فى ظل دولة ضعيفة ومرتبكة بأن يحترم القانون الغائب والدستور المفصل.
صحيح أن الكنيسة المصرية، بالتنسيق مع بعض جماعات أقباط المهجر، صارت فى بعض الأحيان أقوى من الدولة ولديها حالة استغناء تجاه المجتمع، واستعلاء على الرأى العام والمسلمين، إلا أن السؤال هو: لماذا حدث هذا التحول؟ هل لأنهم مسيحيون وبالتالى هم بالحتم كارهون للمسلمين؟! إذا قبلنا هذه الإجابة نكون وضعنا أنفسنا مع إجابات كثير من المتعصبين فى الغرب، التى ترى أن مشكلتنا فى العالم العربى أننا مسلمون، وهو نمط من التفكير معاد للديمقراطية وللقيم الإنسانية ويجب ألا نرفضه حين يمسنا، ونقبله حين يمس غيرنا.
والحقيقة أن المسيحيين فى مصر تعايشوا مع الإسلام فى كثير من الفترات، وتصالحوا معه منذ ثورة 1919 وكانوا جزءا من الوطنية المصرية إلى أن تغير الحال مع تغير المسلمين، وصار من المستحيل أن نقرأ خطاب التطرف المسيحى دون أن نعود إلى مناخ التعصب والتدين الشكلى، الذى فرضه كثير من المسلمين على المجتمع، وجعلوا المسيحيين مثل كثير من المسلمين يشعرون بغربة شديدة تجاه المجتمع، الذى يتحدث كل يوم فى الدين، ويمارس عكس كل القيم، التى ينادى بها أى دين، ودفعهم للانغلاق خلف أسوار الكنائس، وهناك كانوا عرضة لخطاب طائفى شديد التعصب والانغلاق، لا يمكن فيه إدانة رد الفعل قبل الفعل.
إن إنقاذ هذا المجتمع يحتاج إلى مواجهة «لوثتين»، الأولى التدين الشكلى والثانية كرة القدم، والحقيقة أن ثمن مواجهة الأولى كبير، لأنه سيعنى فى الحقيقة تنظيم المجال العام على أسس جديدة، يقنن فيها القانون الخطاب الدينى ويحد من تطرفه وتعصبه، ويعمل على إخراج الشباب المسيحى من غربته، والشباب المسلم من إحساسه بأنه مستهدف، ويدفعه نحو الانتفاض ضد الخرافة ونظريات المؤامرة.. فالاثنان قادران على صناعة مستقبل أفضل لهذا البلد، بالاهتمام بالشأن العام والإيمان بالديمقراطية، والنضال من أجل انتزاع حقوق المواطنة الكاملة لكل من المسلمين والمسيحيين.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.