- المتسولون عاطفيا بين الأديان يجلبون العار علي أقاربهم وأهاليهم وبلدهم - الشعار الآن هو: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي.. حتي يراق علي جوانبه الدم» - لا تستبعدوا «نظرية المؤامرة».. فهناك أصابع قذرة تلعب من وراء الستار - الجيل الجديد هو المشكلة وعقولهم محشوة بالكراهية والغل وسوء الفهم - الموانع الشرعية عند المسلمين والمبررات الأخلاقية عند الأقباط تجعل الحب المختلط جهنم - بعض رجال الدين من الطرفين يعالجون «العجز الديني» ب «الشو السياسي» - اعتراف الأقباط بجهود الدولة لتحقيق المواطنة أفضل من التشكيك في حمايتهم - لماذا انقرض شيوخ وقساوسة العقل والتسامح وحل محلهم المتشددون والمتعصبون؟ - مطلوب اجتهاد ديني جريء يحذر من دخول حقل ألغام العواطف المختلطة الوصف الصحيح لحوادث الفتنة التي تشهدها مصر مؤخرا، وآخرها«أبوتشت»، هو أنه كبت عاطفي يؤدي إلي انفجار طائفي، في معظم الحالات فتش عن المرأة، من عندها تبدأ الشرارة، حتي تصبح حريقاً كبيراً، يدمر البيوت والشوارع.. إنه مسلسل سخيف وموجع يصلح أن نطلق عليه «ومن الحب ما حرق». كالعادة، ننسي الشرارة وننشغل في الحريق، وتكون النتيجة هي تكرار حالات الحب المحرم الذي يشبه أصابع الديناميت، فلا المسلمون يقبلون أن تحب نساؤهم مسيحيا، ولا المسيحيون يسكتون إذا عشقت نساؤهم مسلما، ويرفع الطرفان شعار «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي.. حتي يراق علي جوانبه الدم»، فعلتها فتاة «أبوتشت» وأوقعت أهل قريتها في معركة طائفية، وقبلها كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، وأوقعتا المساجد والكنائس في حالة غليان.. طرف يطالب بحمايتهما من الأسلمة، وآخر يتظاهر لفك أسرهما، غضب هناك وتظاهرات هنا.. دون أن نسأل أنفسنا: كيف نتصدي لفتنة العواطف العبثية المدمرة؟ --- أولاً: فلنعترف بصراحة بالمناخ الطائفي المصريون الآن صنفان.. عقلاء من الجانبين يحاولون إطفاء الحرائق أولا بأول، ويحرصون علي إيقاظ روح الوحدة الوطنية والتذكير بعلاقات المحبة والتعاون والصداقة التي تربط بين عنصري الأمة.. ومتشددون أو مهاويس أو متطرفون - مسلمين وأقباطاً-، سيطرت عليهم الأجواء الطائفية، فأصبحوا وقودا لأي حادث ولو عارض، إما بالاشتراك أو بالتحريض، للأسف الشديد الصنف الثاني هم أصحاب الصوت العالي الآن، ويقفون متربصين ومتحفزين لأي حادث، خصوصا في الصعيد والأرياف، حيث تعلو النغمة الطائفية علي الروح الوطنية، ويتم تصنيف أي حادث في إطار طائفي حتي لو لم يكن كذلك، وسرعان ما يجد تحريضهم استجابة بين العامة والبسطاء، فيندفعون دون تفكير أو تعقل نحو تصعيد الأحداث. لن أتحدث عن التعليم والإعلام والفضائيات الدينية والشعور بالظلم والاضطهاد لدي الأقباط، ولن أتحدث عن انقراض رجال الدين المسلحين بالضمير والمتسامحين بالهوية المصرية، لن أتحدث عن دعاة جدد من الجانبين، يفجرون في عقول الشباب طاقات الكراهية والغل والتحفز، لن أتحدث عن أشياء أخري كثيرة مماثلة، فتلك فتافيت في فسيفساء المناخ الطائفي، ولكن دعوني أطرح سؤالا واحدا: إلي متي ننشغل بالحرائق الكبيرة ونترك مستصغر الشرر؟! --- ثانياً: عناق «الإمام» و«البابا» ليس كافياً كلاهما معجون بالروح الوطنية المصرية.. ونشأ في بيئة امتزجت فيها المشاعر الطيبة بين المسلمين والأقباط.. الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب من الأقصر، تلك المدينة التي تستيقظ كل صباح، علي عناق جميع أبناء الشعوب والديانات من السائحين الذين يتوافدون علي أراضيها.. والبابا شنودة من أسيوط، أكبر محافظات مصر التي تدق فيها أجراس الكنائس لتعزف نداء التسامح مع صوت الأذان في المساجد.. كلاهما من الصعيد الذي اكتسب صلابته من وحدة عنصري الأمة، فلا تعرف من هو المسلم ولا من هو المسيحي، إلا من يذهب إلي المساجد، ومن يذهب إلي الكنائس. لكن الأمر تغير، وعششت تحت قمة هرم التسامح عناكب وحشرات كثيرة، تحتاج لغة غير اللغة، وخطابا دينيا مختلفا، وأن يقتحم الطرفان قضايا شائكة، وفي صدارتها تلك الفتن العاطفية الشاردة، التي تتسبب في معظم الحوادث المؤسفة. لا يجب أبدا ترك هذه المساحة شاغرة، ولكنها تحتاج اجتهادا دينيا، يحذر النساء والشباب من خطورة اللعب بالأديان، فلا الإسلام سوف يعلو شأنه إذا أسلمت فتاة مسيحية، ولا المسيحية سوف تنتصر إذا تنصرت فتاة مسلمة، ولا المجتمع نفسه سوف يسمح بذلك. علماء العقل والتسامح يجب أن يقتحموا حقول الألغام، وقد لا تسعفهم النصوص في صياغة خطاب ديني يرضي الجميع، ولكن مصلحة الأمة، أو ما يطلق عليه الفقهاء «المصلحة المرسلة»، تكون أحيانا من مصادر التشريع، إذا حققت نفعا أو منعت ضررا، فالاجتهاد أياً كان مطلوب الآن وبشدة. --- ثالثاً: الحب المشترك مصيره الفشل بالنسبة للمرأة المسلمة، عليها أن تعلم جيدا أن الشرع يمنع زواجها من المسيحي، وأن مثل هذا الحب مصيره الفشل والزوال، ولن تترك لنفسها ولأهلها سوي الفضيحة والعار، وربما يكون مصيرها القتل إذا فكرت في الهروب مع حبيبها، خصوصا في الصعيد، حيث لا يداوي جرائم الشرف سوي الدم، حتي لو كان هروبها مع شاب مسلم من أبناء دينها. وبالنسبة للفتاة المسيحية، عليها أن تتأكد أيضا أن هناك موانع اجتماعية تحول دون زواجها من مسلم، الكنيسة ترفض ذلك، وأصبحت المسألة بالنسبة للأقباط تمس الشرف والكرامة، وتساوت المبررات الأخلاقية عند المسيحيين بالموانع الشرعية عند المسلمين، ويتحول مثل هذا الحب إلي جهنم. قد يعترض البعض علي ذلك، ولكن نحن الآن نعيش في زمن الاحتقان الطائفي، الذي هبت رياحه علي مصر من دول أخري، فجرفت التسامح المجتمعي في طريقها، وأصبح كل طرف يشحذ أسلحته للطرف الآخر كلما أثيرت مشكلة من هذا النوع. لن تنجح أية زيجات من هذا النوع، وستظل القطيعة واللعنات تطارد أصحابها، وما يصلح في الخارج لا يصلح لمصر ولا للمجتمعات الشرقية عموما، حيث أصبحت الأديان منطقة حساسة وخطيرة، ولا يجب الاقتراب منها أو العبث فيها، بل التعامل معها بمنتهي الحذر. --- رابعاً: تسييس الكبت العاطفي.. جريمة المسيحيون يرون في مظاهرات بعض المتطرفين أمام أحد المساجد انتهاكا لحرماتهم، واعتداء علي نسائهم، وحتي لو كانت حالات الحب والزواج بمحض إرادة المرأة المسيحية، ويؤكدون أنها إما تعرضت للخطف أو للتهديد أو لضغوط لم تكن لها القدرة علي تحملها. تذهب القضية إلي أبعد من ذلك عند تسييسها، والادعاء بأن الدولة لا تحمي الأقباط ولا تصون أعراضهم، وغير ذلك من الاتهامات المبالغ فيها، والتي تخرج بالقضية عن توصيفها الصحيح، وهو أن الدولة ترعي الجميع علي قدم المساواة، وتبذل قصاري جهدها لحل النزاعات في إطار الحفاظ علي الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. وبعض المتطرفين المسلمين يتهمون الدولة بأنها تقوم بتسليم المتأسلمات إلي الكنيسة، وينادون بفك أسرهن، وهذا الكلام أيضا عارٍ من الصحة، لأن سلطات الأمن لا تفعل أكثر من أنها تترك الحرية للمرأة المسيحية لتقرر مصيرها دون ضغوط، وفي الغالب ما تقرر صاحبة الشأن أن تعود إلي الكنيسة، عندما تري حجم الإثم الذي ألحقته بعائلتها، والخراب الذي حل بأقرب الناس إليها. --- خامساً: مصر وطن الأقباط والمسلمين الديانات السماوية جميعا لم تنزل في مصر، ولم يظهر فيها الرسل والأنبياء، ولكنها دولة تعشق الأديان السماوية، منذ أيام الفراعنة وأخناتون والتوحيد، وظل شعبها عاشقاً ولهان للرسالات السماوية واستقبلها بالحب والترحاب. مصر وطن المصريين قبل أن تكون بلد الأقباط أو المسلمين، واستقبلت السيدة العذراء والسيد المسيح، ومنحتهما الأمن والسلام والطمأنينة، عندما لجآ إليها هربا من بطش الرومان.. وأيضا استقبلت عمرو بن العاص فاتحا وليس غازيا، وعرف الإسلام طريقه إلي مصر وقلبها وعقلها. وهكذا شعبها.. اعتنق من شاء المسيحية، ودخل من أراد الإسلام، ولكن احتفظ الجميع بالثوابت المصرية، التي تجل احترام الأديان، وتطبق عن عقيدة راسخة مبدأ «لا إكراه في الدين»، وصاغ شعبها ميثاقا غير مكتوب بأن يحتمي الجميع بالروح المصرية، لإذابة جميع التناقضات، والتغلب علي المشاكل والصعوبات. ما يحدث الآن خروج عن الروح المصرية الأصيلة، سواء من يحاولون جذب الوطن في اتجاه التشدد الإسلامي، أو التعصب المسيحي، وكلاهما يلحق أبلغ الأضرار بميثاق التعايش السلمي المدون في وجدان المصريين المعتدلين. --- سادساً: الجيل الجديد هو المشكلة إذا كان «الإمام» و«البابا» ومعهما غالبية المصريين هم نتاج زمن الألفة والتعايش المشترك، فالمشكلة الحقيقية هي الجيل الجديد «ابن الإنترنت»، جيل لم يتربّ علي تقاليد التسامح المصري ولم ينهل من ثقافة الهوية الوطنية.. إنه جيل تربي علي العولمة، ينهل ثقافته ووعيه وسلوكياته من تجارب الآخرين، من مجتمعات تشرنقت حول معتقداتها الدينية الضيقة، البعيدة عن سحر التسامح الذي يتدفق في شرايين الوطن مثل مياه النيل. زاد الطين بلة ظهور جيل آخر من الدعاة من الطرفين، يحاولون تعويض عجزهم الديني عن طريق «الشو السياسي»، فيتحدثون وكأنهم زعماء وقادة، فلعبوا في عقول الشباب وأكملوا دائرة الحصار المزدوج، من الداخل والخارج. أصبح الخطاب الديني مفرطا في التعصب والتشدد، مستوحيا أفكاره من مستودعات الصراعات التي تغرق فيها مجتمعات أخري، متوهمين أن أمجادهم الشخصية سوف تزداد بوضع عنصري الأمة في ساحة المواجهة، هذا يرفع المصحف، وذاك يشحذ الصليب، مع أن السلاح الوحيد الذي يحمي الطرفين معا هو علم مصر ورايتها. أستغرب جدا لمبالغات بعض الأقباط علي الإنترنت التي يقولون فيها إن المسلمين يريدون طردهم من مصر، ويتجاهلون في الوقت نفسه مجهودات الدولة المصرية الضخمة لتثبيت معالم حق المواطنة، والسير بخطوات جادة في اتجاه الدولة المدنية، التي تمنع الخلط بين السياسة والدين، وتقر المساواة الكاملة بين المصريين، فهذا التوجه الجاد يحتاج من يتمسك به، ويلتف حوله، وليس من يشكك فيه أو يقلل من أهميته. --- سابعاً: الإعلام كالنار، إما الحرائق أو الدفء الإعلام كالنار، إما أن يشعل الحرائق، أو أن يجلب الدفء.. وفي موضوع الفتن الطائفية نحتاج إعلاما يجلب الدفء ولا يشعل الحرائق، ولا يلعب علي المتناقضات، ولا يجري وراء التهييج والإثارة، أو البحث عن السبق الزائف الذي يدمر وطنا، ويؤجج الفتن بين عنصري الأمة.. يعبئ الوطن كله في اتجاه واحد، ونحو هدف لا يحيد عنه أحد.. الوحدة الوطنية. إذا لم يدافع الإعلام عن هذه القضية، فعن أي شيء يمكن أن يدافع، في ثوابت لا يمكن أن تختلف حولها الأحزاب ولا القوي السياسية، ولا إعلام قومي أو خاص أو حزبي، ويجب أن تكون هناك «آلية» للمساءلة والمحاسبة إذا تم الخروج عن هذا النهج. إنها قضية ليست فيها حكومة ولا معارضة، ومن يحاول أن يحقق مكسبا فالخسارة سوف تلحق بالجميع.. الإعلام القومي هو رمانة الميزان، وصحف الأحزاب هي الحارس الأمين علي وحدة الوطن، والإعلام الخاص يملكه رجال أعمال مصريون يعلمون جيدا أن مصلحة هذا الوطن أولاً ومصلحتهم ثانياً تكمن في الحفاظ علي الاستقرار القائم علي الوحدة الوطنية القوية. الإعلام الذي يُعلي شأن احترام الأديان، ولا ينتهك خصوصية النزاعات الحساسة التي تثار هنا أو هناك، ولا يجعلها مادة مستباحة تزيد الجراح ولا تضمدها، وتعمق الآلام ولا تداويها، ولا يفتح الباب علي مصراعيه لمصارعة «التوك شو»، فهذه القضايا ترتبط بالشرف، وكل طرف يؤمن بأن من حقه أن يدافع عن نسائه. --- أخيراً.. لا تستبعدوا «نظرية المؤامرة»! بعض قصص الحب التي تشعل الحرائق تكون عفوية، نتيجة الاندفاع ونقص الخبرة وعدم تقدير حجم المخاطر، وغالبا ما يتراجع أصحابها عندما يواجهون بحجم المشاكل والعقبات التي تجعل حياتهم بعد ذلك مستحيلة.. ويكون مصيرها الحتمي هو الفشل. لكن لا تستبعدوا - أيضا - أن يكون بعضها مخططاً ومدبراً وتديره أصابع قذرة، تحرك الفتنة من وراء الستار، وتستثمر نقاط الضعف لدي من تستهدفهم، وتنصب شباكها حولهم، حتي يقعوا في المحظور. --- فتش عن المرأة لتعرف لماذا تحدث الفتنة.. واقطعوا دابر الكبت العاطفي الذي يؤدي إلي الانفجار الطائفي.. وحذّروا المتسولين عاطفيا من الأديان بأنهم يجلبون علي بلدهم وأهاليهم وأقرب الناس إليهم.. العار! كرم جبر