فى العدد الجديد من مجلة «نيوزويك» الأمريكية، كتب فريد زكريا، رئيس تحريرها، مقالته الأسبوعية، كالعادة، ثم فاجأ القراء، فقال فى آخر سطرين ما يلى: هذا آخر مقال أكتبه فى هذا المكان، الذى كنت قد بدأت الكتابة فيه منذ 14 عاماً بالضبط، ولابد أنها كانت سعادة كبيرة لى، أن أكتب لهذه المجلة العظيمة، ولهذه النخبة المختارة من القراء! والمعروف أن «زكريا» كاتب له وزنه فى الولاياتالمتحدة، بل فى العالم، وهو أمريكى من أصل هندى، ويقدم برنامجاً أسبوعياً، على قناة «C.N.N.» الأمريكية، ويحظى بمصداقية عالية فيما يكتبه ويقوله، وقد كنت دائماً أجد وجه شبه، من نوع ما، بينه وبين الدكتور عبدالمنعم سعيد، سواء فى الكتابة، أو فى مخاطبة الجمهور عبر الشاشة! صحيح أن مقالته الأخيرة، لم تكن الأهم، إذا ما قورنت بما كتب من قبل، وصحيح أنه يروى فيها قصة الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تنعقد فى سبتمبر من كل عام، وصحيح أنه يقول ما معناه، إن هذه الاجتماعات الدورية، فيها دوماً ما هو مهم، وما هو ممل، من كلمات رؤساء الدول الذين يتواجدون هناك، وصحيح أيضاً أنه يقول، إن نكتة الاجتماعات هذا العام، كانت فى خطاب الرئيس الإيرانى «نجاد» الذى قال إن أحداث سبتمبر 2001 كان وراءها إدارة بوش الابن لصالح إسرائيل، وأن هذا الكلام - فى تقدير زكريا - فضلاً عن أنه مضحك، فإنه لا يليق بأن يصدر عن رئيس يمثل الحضارة الفارسية! غير أن الأصح من هذا كله، أن زكريا ربما يجب أن يلتفت إلى أن خطاب «نجاد» ليس هو وحده الذى يأتى ليتناقض مع قيم حضارة كبيرة، لا لشىء، إلا لأننا نرى كثيراً حولنا، رؤساء دول آخرين فى المنطقة، يتكلمون، إذا تكلموا، بما لا يليق مع حضارة قبيلة، وليس فقط مع حضارة أمة، أو حتى دولة! وما هو مهم فى توقف الرجل عن الكتابة، أن الذين كانوا يسعون إلى مقالته، منشورة فى المجلة، أو فى أى مطبوعة أخرى، كما كانت «الشرق الأوسط» تفعل كثيراً، سوف يفتقدونه، لأنه من الممكن جداً لقراء كثيرين، أن يشتروا أى مطبوعة، سواء كانت صحيفة أو مجلة، من أجل كاتب يحبونه ويجدونه صادقاً مع نفسه ومعهم، لا منافقاً متقلباً، بالضبط كما يحدث أن تشترى «المصور» الآن - مثلاً - لتقرأ حمدى رزق! لم يستغل فريد زكريا مناسبة كهذه، لكى يمارس دعاية رخيصة لنفسه، سواء من خلال المجلة التى ارتبط بها كل هذه السنين، أو حتى الدعاية لأى مكان آخر، سوف يذهب إليه، وإنما أعلن ذهابه، فى هدوء، دون استعراض، ودون ادعاء بطولة زائفة، ولم يتوقف أحد، وهو يقرأ السطرين المفاجأة، أمام «نيوزويك» ذاتها، اليوم، أو من قبل، ليسأل نفسه عما إذا كانت مجلة حكومية، أو حزبية، أو خاصة، كما هو حال التصنيف السخيف عندنا، لا لشىء، إلا لأننا ننسى طول الوقت، أن الصحافة، أياً كانت، إنما هى بمضمونها ومحتواها، وطبيعته، فإما أن تكون صحافة لها مصداقية، مستمدة من صدق مضمونها، وبالتالى يكون عليها إقبال من القارئ، وإما أن تكون بلا مصداقية، وبالتالى أيضاً بلا قراء!