تعلق الشاب السودانى- ابن الأب الفلاح، والأم الأمية- منذ شبابه بالزى العسكرى، وقرر أن يتسلح به فى مواجهة المستقبل والرهان على المكاسب السياسية ب «سترة الجيش».. فارتقى الضابط عمر البشير بسرعة المراتب العسكرية، وشارك إلى جانب الجيش المصرى فى الحرب الإسرائيلية العربية عام 1973. وقاد البشير اللواء الثامن فى الجيش السودانى والمرابط فى الجنوب فى خضم الحرب الأهلية بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان عندما عرف بمهارة كيف يستفيد من استياء الضباط ليستولى على السلطة عام 1989. وتسلم السلطة فى البداية مع حسن الترابى من خلال مجلس القيادة الثورة وحكومة الخلاص الوطنى المكونة من ضباط شبان بعد التخلص من كل المغضوب عليهم فى الجيش. وفى 30 يونيو عام 1989، أطاح البشير برئيس الحكومة المنتخب ديمقراطيا الصادق المهدى فى انقلاب عسكرى، وحصل على دعم الجبهة الإسلامية الوطنية التى كان يتزعمها حليفه حسن الترابى، الذى تحول لاحقا إلى عدو لدود، وفرض البشير حينها حالة الطوارئ على مجمل الأراضى السودانية، وعلق الدستور والحريات العامة وحظر الأحزاب. واتخذ نظامه منحى إسلاميا، وانتشرت ميليشيات قوات الدفاع الشعبى فى الجنوب، حيث أغلبية السكان من المسيحيين والإحيائيين، للمشاركة فى نزاع تحول إلى أطول حرب فى القارة الإفريقية. وقرر البشير عام 1993 حل مجلس قيادة الثورة، ونصب نفسه رئيسا للجمهورية، واحتكر كل السلطات قبل أن يجرى فى مارس 1996 انتخابات قوبلت بتنديد واسع، وتحت وطأة هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والتآمر، أصبحت الخرطوم معقلاً للتيار الاسلامى الدولى المتطرف خلال التسعينيات، واحتضن زعيم القاعدة أسامه بن لادن، وبعد 3 سنوات من الاحتقان الداخلى تصدعت العلاقة بين البشير والترابى وتحولت إلى عداوة عام 1999، وأدى الاختلاف إلى سجن الترابى من 2001 إلى 2003 بتهمة التواطؤ مع انقلابيين. ومنذ ذلك الحين، حاول البشير الابتعاد عن التطرف الإسلامى، وتدارك علاقاته السيئة مع جيرانه والمجتمع الدولى، وفاجأ الجميع فى 2005 بالسماح لحكومته بتوقيع اتفاق سلام شامل والتصالح مع متمردى الجنوب وفتح الطريق أمام عملية ديمقراطية، غير أن بلاده أصبحت تعانى منذ 5 سنوات حربا أخرى فى دارفور، اتهم فيها عدد من مسؤولى نظامه بالتورط فى جرائم حرب. وصارت دارفور، بكل مآسيها وتطوراتها السياسية والإنسانية، شبحا يطارد طموحات البشير نحو البقاء فى السلطة.. واستغلت المحكمة الجنائية الدولية مؤخرا الإقليم المضطرب لاصطياد الحاكم العسكرى، الذى أصبح أول رئيس دولة تلاحقه «الجنائية الدولية» أثناء ممارسته مهام السلطة.