وأنا اللى ياما غنيت ع الليالى، فى الفرح موال، وفى الجرح موال، والصبر موال، وأصبح على دى الحال غريب.. أصبح أنا غريب، ولا حد جنبى قريب، غريب فى وطن موحش، صحراء لا زرع فيها أخضر يلون العيون السوداء فى ليل الضنى، ولا ماء فيها يرد الروح لعطشى الأمل، غار منها ماء الحياة، فاضت منها بحار اليأس وأغرقت الشطآن، عيدان الأمل غرقت فى صرف الغيطان. القطة البيضاء لا تأكل ولادها السمر الشداد وصبايا البلد، القطة تهرب بأولادها وتقفز سبع جدران، والنبى وصى على سابع جار، ولو كان جارك يهودى، ومصر مقسومة من عند القلب مسلم ومسيحى، غنى وفقير، عامل وباطل، راجل وست، جامعى ودبلوم، ملاكى وميكروباص، مقسومة على اثنين، نصفين غير متساويين، لا غالب ولا مغلوب، كلاهما مغلوب على أمره. مصر قدر ووطن وشجرة توت ظليلة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، نشفت التوتة على البيبان، جف ضرع العنزة الطيبة، لم يعد فى الصدر حنان، جاع الصغار، هرب الشباب تحت جنح الظلام، البحر أمامكم، مالح البحر كلما عبوا عطشوا، يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، فى عرض البحر، بحر اليأس غميق «بالغين»، بحر اليأس صعيب «بالياء» دون مجداف قارب اليأس ما يوصل، الأمل فى الوطن مجداف مكسور. وترن نفس النبرة فى ودانى، قاسية وقلب صوان، ليه يا مصر قلبك جامد على أولادك، على شبابك، على أحفادك، نطف فى رحم الغيب، روشتة الأمل من صيدلية الوطن مكتوب فيها غضب وألم ويأس وحزن شفيف، وفر دواك أحسن يا طبيب، المريض أكله اليأس، قانط، حائر، خائر الهمة، بالذمة، مال الأرواح صارت يائسة هائمة، لا تجد شاطئا تركن إليه، أو حائطًا تسند إليه رأسها وتناجى، ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به. منجل الغباء بيحش وسط الموهوبين، بيمص عصارة الأمل من السيقان الخضراء بترعى فى حقول القمح، اسمه قمح.. اليوم وأمس وغداً، ومصر يحرم عليها الأمل والجدال يشتد، ويشتد الألم بالمجروحين، بيجرح أد ما يجرح، القلب بين الضلوع بينزف الأمل. ولادك نزعوا قلوبهم من الحشا، وحشوا صدورهم حجارة وتخرب العمارة، إن خرب بيتك أبوك، تنهد فوق الرؤوس، اليأس عشش فى كهوف الروح، الظلم سيف على رقاب الكل، خلوها خل، يئدون المواهب وأد البنات أيام الكفر، لا يصبرون على موهبة، يذيقون الكرام الذل، مصر للأسف مش للكل. هانوا عليكى ولادك يا ست الكل، صعبان علينا فستان التل، سلبه لصوص الارنص والكامب، بان لحمك والجيران بتبص وتطل، بحبك زى ما حبك ابنك الكبير صلاح جاهين ومثله حبك كل المجروحين، بحبك بعنف وبرقة وعلى استحياء، وأكرهك وألعن أبوكى بعشق زى الداء، وأسيبك وأطفش فى درب وتبقى فى درب، وتلتفتى تلاقينى جنبك فى الكرب، والنبض ينفض عروقى بألف نغمة وضرب. أغنياء من التعفف، والقدر يغلى بماء قراح، ويفور، إضرابات واعتصامات واستجوابات وأرواب سوداء طالعين يشيعوا الفقيد، فقيد الكادر، كادرك يا وطن، آه يا وطن من غير كادر، أبوالعلا مغروز فى الطين، كلنا شايلين الطين، والجوع كافر، وجعتى يا مصر يا شبعانة يا بنت الناس الأكابر، وخفتى ونمتى حزينة، دمعتك على الخد، خد الجميل أحمر وجميل، وأنا بنادى على الجميل بص وطل.