لن يختلف أحد فى مصر على أن إسرائيل تشكل تهديداً مستمراً للأمن القومى المصرى لعدد من الأسباب: أولها تاريخية، فعندما تكون هناك دولة بالجوار واحتلت أراضيك خلال فترة قصيرة من الزمن، وخضت معها عدة حروب خلال نصف قرن، فإن هذه الدولة تظل فى الإدراك العام تهديداً محتملاً، خاصة لو كان لدى هذه الدولة جماعات سياسية متطرفة وقوية وتعتبر مصر عدوا بالنسبة لها. ثانيها: يتعلق بتوازن القوى، فعندما تكون الدولة المجاورة ممتلكة للأسلحة النووية، وأشكال أخرى من أسلحة التدمير الشامل، فضلا عن تفوق تكنولوجى عام، وعلاقة عضوية مع الدول القائدة للنظام العالمى تحمى تجاوزاتها واختراقاتها للقانون والنظام الدولى. وثالثها: أن هذه الدولة تعتقد كثيرا فى القوة المسلحة للحصول من الآخرين على أرض وموارد ومزايا سياسية واستراتيجية لا يوجد من هو على استعداد لمنحها إياها بدون قتال ونضال، وهكذا تبقى هذه الدولة- إسرائيل- مصدرا للعدوان وعدم الاستقرار فى المنطقة المجاورة. وعندما تشتعل حرائق، وبصورة دورية، فى الجوار المباشر، فإنها تصير مصدرا للتهديد للأمن القومى لدولة مصر. كل هذه الأسباب تضع ما يكفى للتوافق بين القوى السياسية المختلفة حول التهديد الإسرائيلى للأمن القومى المصرى، ولكن هذا التوافق يتوقف فوراً بعد ذلك، لأن هناك من يعتبر أنه طالما كان هناك تهديد إسرائيلى فإنه لا يوجد تهديد آخر. مثل ذلك يكاد يغمض العين تماما على التهديد المواجه لمياه النيل حال تفكك الدولة السودانية، أو ذيوع عدم الاستقرار فى أعالى النيل والقرن الأفريقى؛ بل إنه يمر مرورا سريعا على عمليات القرصنة الموجهة إلى السفن المصرية أو تلك التى تتوجه إلى قناة السويس، أو حتى تلك المتعلقة بالجريمة المنظمة التى تحاول اختراق الأراضى المصرية باعتبارها مقصدا أو معبرا. وطالما كانت إسرائيل مهددة للأمن المصرى فإن إيران سوف تصير فورا بردا وسلاما على مصر والدول العربية، حتى ولو كان هناك اختلال فى التوازن الاستراتيجى مع دول الخليج أدى إلى تدخل مسلح وغير مسلح فى العراق، أو رغبة فى النفاذ إلى قلب العالم العربى إلى الدرجة التى تجعل حليفا لطهران مثل السيد حسن نصرالله يطلب من المصريين الثورة، ومن الجيش المصرى التمرد، اعتقادا منه أنه حقق ما يكفى من الاختراق الأيديولوجى الذى لا يجعل ذلك تهديدا على الإطلاق. القضية مع كل ذلك هى أن الأمن القومى المصرى معرض لأنواع مختلفة من التهديد تحتاج إلى حزم مختلفة من المعالجات والسياسات التى تحافظ على البلاد من العدوان الخارجى أيا كان مصدرها، وتحفظها من الاختراق الفكرى الذى يجعل بعضا من أبنائها يختزلون تهديدات كثيرة فى تهديد واحد. ولا توجد سياسة تعالج أشكالا مختلفة من التهديدات قدر زيادة عناصر القوة لدى الدولة سواء كانت مادية- عسكرية واقتصادية- أو معنوية- قيمية وفكرية- بحيث تخلق توازنا كافيا للقوة يردع الآخرين، أو يشعرهم أن عدوانهم سوف يكون مكلفا إلى الدرجة التى تجعلهم لا يفكرون فى العدوان. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالبناء والتنمية التى تحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الاستقرار والسلام والعمل الجاد والمشاركة فى بناء القوة والثروة والقدرة، ومع ذلك كله تكوين شبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية التى تجعل كل ذلك ممكنا. ولكن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت غير قليل، وتوافق وطنى كبير، ومجموعات من السياسات التى تتعامل مع وقائع وأحداث لا تكف عن الضغط على الأمن القومى فى أشكال كثيرة، فيها ما يضغط على الحدود، وفيها ما يضغط على الداخل بشعارات وإغواءات مظهرها الرحمة، وباطنها العذاب. والنتيجة هى سياسات وطنية معقدة تجمع ما بين زيادة القدرة المسلحة، والعمل العربى المشترك مع من هم على استعداد للعمل وليس للكلام، وتحقيق السلام وحمايته مع السعى الدائم نحو تسويات عادلة، والاقتراب من العالم كما هو وليس كما نتمناه. مثل ذلك يتطلب عملية سياسية لا تقل دقة عن العمليات الجراحية الحرجة حين يكون على الطبيب التعامل بحساسية عالية مع مصادر الخطر المتنوعة. ومن الجيد دائما أن ننظر ونراقب الخطر الإسرائيلى، ولكن ذلك لا ينبغى له أن يكون غفلة عن مصادر الخطر الأخرى. وتلك هى المسألة التى يغفل عنها كثيرون!