عندما كان القطار أو الأتوبيس أو حتى الميكروباص ينطلق فى الطريق الزراعى، كان السائق أو الكمسارى ينادى «هنا محطة المطار السرى»، وأصبحت هذه الحكاية تردد بعد ذلك على سبيل الفكاهة، فكيف يكون المطار «سرى» وكل الناس تعرفه.. هذا بالضبط ما يحدث الآن فى «مخبأ لندن السرى» فكل من يفعل أمراً فى مصر يخالف القانون، يتجه مباشرة إلى لندن، حيث الحماية القانونية والإقامة الفارهة والابتعاد عن ملاحقات الإنتربول الدولى. الحكومة المصرية كانت فى الماضى، تندد دائماً بأفعال دولة بريطانيا، لأنها كانت تحمى الإرهابيين والمتطرفين لكن فى الوقت الحاضر تبدل الحال وأصبحت لندن مأوى ومخبأ لرجال الأعمال الهاربين من ملاحقات وأحكام قضائية، فقديماً أيضاً كان القتلى والنصابون والحرامية يهربون إلى الجبال للاحتماء ليصبحوا مطاريد، أما الآن فالأوضاع تغيرت تماماً، فتستطيع أن تقتل وتنصب وتسرق وتهرب إلى لندن، حيث الإقامة الفارهة بعيداً عن صعوبة وقسوة الاختباء فى الجبال. قضية نبيل البوشى أعادت فتح ملف «مخبأ لندن السرى»، فكل كارثة فى مصر حالياً، لا تخلو من كلمة «لندن»، فقد مات هناك أشرف مروان، وسعاد حسنى، والليثى ناصف، وعلى شفيق وغيرهم.. وهرب إلى هناك من الإسلاميين المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية، ياسر السرى، وهانى السباعى، وأحمد ناصر، وأبوحمزة المصرى وغيرهم، ومن الاقتصاديين هرب أشرف السعد ورامى لكح، وعمرو النشرتى وإيهاب طلعت، وممدوح إسماعيل، بالإضافة إلى ما يتردد عن هروب يوسف عبدالرحمن، وراندا الشامى، وعبدالمنعم الملاح، إلى هناك. مدير الإنتربول المصرى السابق قال لزميلنا «محمد رضوان»، فى حوار نشرته «المصرى اليوم»، إنه تم توزيع نشرة حمراء على 139 دولة للقبض على ممدوح إسماعيل بعد حادث العبارة، وأنه لو خرج من إنجلترا مترا واحدا سيتم القبض عليه. وبالطبع أنا لا أعتقد أن أحداً من الهاربين إلى لندن، سيخرج منها شبراً واحداً، فالحياة هناك جميلة وسعيدة، بل إن الهاربين يكادون يلتقون يومياً، ويطلون علينا عبر الشاشات، يخرجون ألسنتهم لجميع الضحايا سواء البنوك أو المودعين أو أهالى القتلى والحكومة المصرية تقف عاجزة عن منع هؤلاء من الهروب أو عقد اتفاقية مع الحكومة البريطانية لتسليم المجرمين. كلام مدير الإنتربول السابق، يذكرنا بالمهندس الذى بنى حمام سباحة وأجاد فى وضع المواد العازلة، لكنه ترك خرماً واحداً تتسرب منه المياه فأفسد كل شىء.. أما فى المنظومة الأمنية والقضائية فأصبحت لندن هى الخرم الذى يفسد كل شىء، وتضيع معه كل شعارات العدالة وسيادة القانون. .. الآن يستطيع الأغنياء فقط، ارتكاب ما يحلو لهم من الجرائم ويحققوا ثروات كثيرة بشرط أن يضمنوا طريقة الهروب إلى لندن ويراعوا سرعة الوصول للمطار قبل اكتشاف الجريمة.. أو الحصول على حصانة برلمانية تحميهم حتى تنفيذ خطة الهروب.. وكل ما يحتاجونه فى ذلك تأشيرة دخول إنجلترا.. ومبالغ مالية محولة إلى البنوك هناك.. وتاكسى حتى مطار القاهرة، وهناك سيجدون مضيفة جميلة تقف على باب الطائرة فى أى وقت وتنادى واحد لندن.. واحد لندن.