«3 فبراير 2009 الأحزان لا تتجدد.. فهى متواصلة ومستمرة ومتواجدة بشكل يومى». هكذا بدأ عم حمدى درويش، المعروف ب«والد شذى».. وهى الوحيدة من أسرته التى نجت من الحادث، ورحلت والدتها و3 من أشقائها، خرجت جثة «ابنة» فقط وتسلمتها الأسرة، بينما احتفظ البحر بجثث الأم، وشادى «22 سنة»، وشريف «9 سنوات»، أجلس الآن، انتظر طرقات الباب.. أشعر بأن ابنى الأكبر فى جامعته، وسيعود وبأن زوجتى وابنتى تشتريان جهاز الأخيرة وفى طريق العودة للمنزل، دون فائدة. حمدى درويش، يجلس الآن بين أحزانه وآلامه فى شقته بالمعادى.. وإلى جواره تجد دائمًا «شذى»، يقول الرجل: هى تخفى عنى آلامها ودموعها وأنا أيضًا.. كل منا يغلق غرفته بإحكام، ويخرج «ألبوم صور»، ينظر إلى وجه «الغائبين»، ويتذكر معهم أجمل وأحلى اللحظات.. عندما أسير فى شوارع القاهرة، وأطالع عيادات الأطباء ولافتاتهم، أتذكر على الفور ابنى الأكبر شادى «22 سنة»، الذى كان يدرس فى كلية الطب، جامعة القاهرة.. تطاردنى صورته ب«البالطو الأبيض» بين زملائه فى الكلية.. كلما أشاهد طفلاً يهرول فى الشارع أو ضابط شرطة أو سيارة شرطة، أتذكر ابنى وصغيرى شريف «9 سنوات»: «يا بابا أنا عايز أطلع ضابط شرطة علشان أقبض على الحرامية».. أشاهد زوجة إلى جوار أبنائها أو زوجها، أشاهد معها صورة زوجتى وأتذكر أيام لقائنا وحبنا وحياتنا وتفاهمنا. شيماء «24 سنة»، كانت يومها فى قمة سعادتها.. يوم الغرق والموت.. كانت يومها تحتضن «باقة ورد»، هى ما تبقى لها واختارته من حفل خطوبتها، الذى تم قبل الحادث بيوم واحد، يومها قالت: بابا أنا هآخد الورد ده لأصحابى والصور كمان.. هم هيفرحولى.. رحلت شيماء ومعها «باقة الورد» التى كانت تحتضنها، بعد أن ودعتنى وودعت خطيبها المهندس. «شذى»، لا أعرف كيف قاومت الموت.. ولا أعرف كيف تقاوم الآن الحياة بعيدًا عن أمها وأشقائها الثلاثة.. كانت يومها ابنة «17 عامًا»، وبعد الحادث بأيام قالت لى: كنا على سطح المركب، لم نجد مكانًا لنا وقالوا: «حجزكم غلط»، وبدأت الأمور تزداد سوءًا.. العبارة بدأت تصارع الغرق.. الصرخات تزداد وصراخ الأطفال لا يتوقف وعبارات: «لا إله إلا الله تملأ المكان، وتقطع الخوف والظلام.. عند الواحدة والنصف من صباح ذلك اليوم المشؤوم، بدأ الجميع يقفز فى المياه.. لم يكن هناك بديل.. لم أجد أحدًا إلى جوارى.. وجدتنى أغوص فى المياه والظلام يزداد.. ها أنا قد رأيت الموت.. فجأة وجدت جثة أمامى.. صعدت فوقها وقفزت بعيدًا من الخوف.. شاهدت نصف برميل أمسكت به بقوة والبرد يكاد يقتلنى.. ظهر لى شاب وقال لى إن ما أمسك به هو قارب نجاه وضغط على شىء به، وعرفت فيما بعد أنه «رماسة»، وتجمع حولها قرابة 28 شخصًا.. بقينا نتشبث بها يومين، حتى ظهرت سفينة «بنغالية»، ألقت إلينا أدوات الإنقاذ.