هذه دعوة مفتوحة لجميع زعمائنا فى الساحة العربية عامة، وفى الساحة الفلسطينية على نحو خاص، بعد أن مضت أيام العدوان الهمجى على أطفال ونساء غزة فى عجز مكشوف من محورى الاعتدال والممانعة على حد سواء، فلا هذا استطاع استخدام قواه السياسية لوقف ترسانة العدوان، ولا ذاك استطاع أن يفتح جبهات قتال على إسرائيل تخفف الضغط على لحم المدنيين الطرى الذى تشويه قنابل الفسفور علناً أمام عيوننا. دعوتى تلتمس القليل من الإرادة الصادقة لرفع المأساة التى يعانيها الشعب الفلسطينى منذ ستين عاماً وهو ما يتطلب بالفعل التنازل عن الاعتبارات الخاصة بكل زعيم وبكل قطر وبكل محور وتقديم الضرورات الواجبة لبرنامج حد أدنى عربى إسلامى، يدفع فى اتجاه التسوية النهائية، وإقامة الدولة الفلسطينية. دعوتى تتطلب أيضاً قليلاً من العقل من جميع الزعماء العرب بالعمل الفعال من أجل ستر العورة العربية التى انكشفت من خلال العجز التام لدى المحورين المتنافسين عن القيام بالمسؤولية القومية تجاه الفصل الأخير من محرقة الأطفال الفلسطينيين. العقل هنا يقول إن شباب الأمة الذى شاهد هذا العجز والذى شاهد اللحم البشرى يشوى على مذبح الوثن الصهيونى فى غزة لن يبقى صامتاً، ما لم يسارع الزعماء إلى احتواء الموقف وتسوية الأمر مع إدارة أوباما الجديدة، لإسدال الستار على فصول المحرقة الفلسطينية المتتابعة منذ عام 1948. ثقوا سادتى الزعماء بأنه فى مكان ما من العالم يتفاعل الآن الغضب مع الحزن مع المرارة فى بوتقة الإحساس بالظلم القومى الناتج عن مأساة الشعب الفلسطينى وعن عجز النظام الرسمى العربى، وعن تواطؤ النظام الدولى ممثلاً فى مجلس الأمن، الذى لزم الصمت أسبوعين على الجرائم الواضحة ثم أصدر بياناً عاجزاً قابلته إسرائيل بالسخرية. صدقونى أيها الزعماء إن رائحة الشواء البشرى للحم الأطفال العرب ستحرك الرغبة فى القصاص لدى مئات الشباب العرب والمسلمين فى جميع ربوع الأرض وصدقونى أن مشاهد الأبدان الغضة لأطفال رضع وهى ممزقة لن تترك نفوس الشباب العرب والمسلمين فى حالة برد وسلام وهناء وتطلع إلى وجوهكم فى إعجاب ورضا. العقل هنا سادتى الزعماء يلزمنا أن نتحرك وأن نسابق عجلة الغضب التى ستفجر الموجة القادمة من الإرهاب فى وجوه كل من عجز عن النجدة وهو قادر، وكل من اكتفى بالغارات البلاغية وهو يحتضن ترسانة صواريخه ويبقيها دافئة فى أحضانه بعيداً عن الخطر.. إن القليل من العقل الذى أطالبكم به والقليل من الإرادة الصادقة والتجرد عن المصالح الذاتية الضيقة يصبان فى مصلحتكم، قبل أن يكتشف الشباب الغاضب بعيداً عن المظاهرات، والساخط بعيداً عن شبكات الإنترنت، أنكم لا تقومون بما عليكم فيوجه ضربات القصاص فى موجة الإرهاب القادمة إليكم وإلى النظام الدولى على حد سواء، لعل رسالتى تكون هنا جلية ولعلها تنفع فى احتواء الغضب وفى إنهاء المأساة الفلسطينية لتكون محرقة الأطفال فى غزة آخر المحارق الصهيونية الإجرامية. اسمحوا لى الآن يا زعماء العرب أن أسائلكم بعد أن تعانقتم وأعلنتم فى قمة الكويت أنكم إخوة وتجالستم فى مودة، لماذا لم تترجموا هذه المصالحة إلى مواقف موحدة فاعلة وقادرة على دفع آلية محاكمة مجرمى الحرب الإسرائيلية، لماذا فشلتم فى إصدار موقف موحد حول المبادرة المصرية فأسقطتم الإشارة إليها فى بيان قمة الكويت، ولماذا فشلتم فى اتخاذ موقف موحد من مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002 فى قمة بيروت، فلا أنتم حرمتم إسرائيل منها، ولا أنتم لوحتم بسحبها ولا أنتم حملتموها إلى إدارة أوباما، لعل عمراً جديداً يكتب لها بعد أن تجاهلتها حكومات إسرائيل طوال كل هذه السنوات. لماذا فشلتم فى الحد الأدنى بعد العناق الحميم فى وضع آلية مشتركة لإعادة إعمار غزة فلا حددتم حكومة حماس كعنوان لتلقى الأموال والتبرعات ولا حددتم حكومة عباس ففتحتم علينا جحيم الشقاق الفلسطينى مرة أخرى. هل يرضيكم أيها الزعماء هذا التراشق الحاد بالكلمات الجارحة بين قادة حماس وقادة سلطة عباس. يقول مشعل إن السلطة التى يقودها عباس سلطة فاسدة وإنها ملتزمة بالتنسيق الأمنى مع إسرائيل ضد المقاومة، ويقول مشعل مطالباً الدول العربية والمانحة بتقديم أموال إعادة الإعمار لحكومة حماس وعدم تقديمها للفاسدين فى السلطة الفلسطينية. وفى اتساق مع هذا الكلام ردت حماس على عرض السلطة بتشكيل حكومة وفاق وطنى بوضع مزيد من الشروط على الحوار الوطنى مثل وقف التنسيق الأمنى والمفاوضات مع إسرائيل وتشكيل حكومة مقاومة، وزادت حماس على هذه الشروط أن اتهمت سلطة عباس بمحاولة العودة إلى غزة من بوابة إعادة الإعمار بعد أن فشلت فى العودة على ظهر الدبابات الإسرائيلية. فى المقابل فتحت السلطة نيرانها على حماس فاتهمتها بتجنب الحوار الوطنى والمضى قدماً فى مشروع الانفصال الذى خططته إسرائيل بهدف فصل غزة عن الضفة، وفى هذا السياق قال ياسر عبدربه إن حماس هى التى تنسق مع إسرائيل من أجل ضمان أمنها ووجودها فى الحكم من خلال اتفاق التهدئة لتبقى فى دائرة نفوذ إيران ومحورها العربى.. إذن هل يرضيكم هذا التراشق السام بين إخوة النضال الفلسطينى يا زعماءنا العرب، وهل تعتقدون أن أحداً سينتفع من هذه المعارك الأهلية أكثر من حكومة إسرائيل القادمة التى ستقول لأوباما نحن لا نستطيع التفاوض مع سلطة برأسين، أحدهما فاسد بشهادة الآخر، والثانى تابع لطهران بشهادة أخيه. حضرات زعمائنا العرب، إن هذه المشاهد المتتالية من العجز أمام الجزار الإسرائيلى الذى يذبح أطفالنا بدم بارد، ومن التنابذ بالخيانة واتهامات العمالة بين دول محورى الاعتدال والممانعة، ومن الفتنة بين إخوة النضال الفلسطينيين ومن العجز الدولى عن إنهاء آخر حالات الاحتلال فى العالم - ترسم بئر الهاوية التى ستجذب المشهد العربى فى أعماقها، فقليلاً من الإرادة الصادقة والعقل.