لا أصدق ولا أستوعب أن مهندسا يقتل زوجته وابنته التى تعمل مدرسة باليه وابنه الموظف فى شركة عالمية، ثم يحاول الانتحار، لأنه يخشى عليهم من الفقر بعد خسارته فى البورصة. الواقع الذى يعيشه هذا الرجل يستبعد هذا المنطق فى التفكير، لأن الابنين يعملان ولكليهما مستقبله، وسيارات الأسرة تكشف عن مستوى مادى مرتفع قد يهتز، ولكنه لن يميتهم من الجوع، لذا فإن البناء على ما نشر قد يذهب بنا إلى نتائج مضللة، وليس أمامنا إلا انتظار انتهاء التحقيقات، فقد يثبت أن الرجل أصابه مرض نفسى أدى به إلى ارتكاب هذه المذبحة، نتيجة الإحباط أو اليأس أو الاكتئاب، وربما يكون هناك مجرم آخر أو سبب مختلف لتلك الجريمة. أنا متوقف أمام ظاهرتين لهما علاقة بشكل أو بآخر بتلك الجريمة: الظاهرة الأولى هى العنف الذى تفشى فى المجتمع، قسوة فى السرقة وفى القتل، حتى إن استخدام السكين أو البلطة أو المسدس فى المشكلات العادية أصبح شيئاً عادياً، ضابط يُقتل فى مشاجرة نشاهد مثلها عشرات المرات، شاب صغير يقتل فتاتين من أجل السرقة، وها هو أب تدور الشكوك حول قتله العنيف لزوجته وابنيه، فإذا سلمنا بأنه القاتل، حسب ما نشر، فإن تلك القسوة فى التنفيذ لا تعبر أبداً عن مشاعر أب مهما كان يأسه أو اكتئابه، ألم يفكر لحظة فى القتل الرحيم؟ دعونى أيضاً لا أستبعد تأثير مشاهد القتل الوحشية، التى ترتكبها إسرائيل فى حق الفلسطينيين، علينا وعلى الأجيال الجديدة التى دخل فى قاموسها الموت اليومى للبشر تحت رعاية دولية وعربية، كل الخوف أن يصبح هذا العنف المكتسب والمتسرب واحدا من سماتنا الشخصية! أما الظاهرة الثانية فهى انتشار الاكتئاب الذى زاد بسبب الأزمة العالمية والتى بدأت آثارها تظهر فى مصر، فالبطالة تزداد والمصانع والشركات الكبرى مهددة بمواربة أبوابها أو إغلاقها، والحكومة غائبة، لم تعلن لنا ماذا ستفعل لنا وبنا، كيف ستدعم الشركات الخاصة بتخفيف بعض الأعباء عنها مقابل عدم تسريح العاملين بها، وكيف ستخلق مجالات عمل جديدة تستوعب المطرودين والعائدين من الخارج؟ نحن فى طريقنا إلى أزمة، ولا أحد يتحدث معنا، الحكومة تتحدث مع نفسها، وأخشى أن تبدأ فى التحرك بعد فوات الأوان باستفحال الأزمة، ووقتها الشعب فقط هو الذى سيدفع الثمن! *** ■ يخطئ الخطاب الدبلوماسى المصرى عندما يتحدث الآن وفى هذه الظروف عن رفض مصر قيام دولة على أساس دينى على حدوده، قاصداً دولة حماس، والخطأ ليس لأن جارتنا إسرائيل قائمة على فكرة دينية بحتة، فهذا أمر نحن أضعف من أن نرفضه، ولكن لأن هذا الكلام يعنى دعم مصر للقضاء على حماس، والنظام المصرى ينفى هذا، فلماذا الإساءة إلى مصر وموقفها ودورها فى الوقت الذى تتعرض فيه لهجوم من مختلف الجهات؟ أيضاً لا «قمة غزة» ولا القمة الاستشارية ولا أى مبادرة ستوقف المذبحة الإسرائيلية فى غزة، إسرائيل وحدها هى التى ستحدد متى تُنهى حربها القذرة، فلا داعى للمزيد من الشقاق العربى بادعاء كل دولة أنها البطل والمنقذ. ما تفعله إسرائيل فى غزة، وما فعلته فى لبنان وسوريا ومن قبل فى العراق، يقول شيئاً واحدا لمن يريد أن يفهم: العرب والمسلمون أصبحوا «ملطشة» سنُهان ونقتل ونُحتل، ونحن نتحدث عن قمم ومبادرات لا نملك غيرها، فتلك الأشياء تُجدى مع الأقوياء، أما نحن فقد أدمنّا الخنوع والركوع والضعف.. العزة التى نفتقدها تحتاج إلى قوة، والقوة لا تأتى إلا بالعلم، ونحن بلدان تكره العلم، ولا تأتى إلا بالإيمان، ونحن بلا إيمان، فلا أمان ولا دنيا لمن لم يُحيى دينه! [email protected]