أحسستُ فى اتصال من المهندس حسب الله الكفراوى، بأن حزنه على حالنا بلا حدود، وخصوصاً حال المياه وهى تجرى فى النيل، فقد كان الأمل فى ظنه معقوداً، ولايزال، على الدكتور محمود أبوزيد، لإنقاذ كميات كبيرة منها، يجرى تبديدها على الملأ، دون وعى بخطورة ما نفعله!. والأمل فى الدكتور أبوزيد هنا ليس سببه أن الرجل وزير للرى فقط، ولكن لأن تخصصه الدقيق فى المياه، وعنده مركز بحوث كامل فى القناطر الخيرية، يضم كل ما يريده ونريده عن هذه الثروة لدينا، من أول قطرة فيها لآخر قطرة، ولذلك فهو يمارس عمله، ويؤدى مهمته فى ملعب يحفظ ملامحه، ويعرف معالمه تماماً، ويرى تضاريسه بوضوح وليس فى البلد واحد على اطلاع على هذا الملف، كاملاً، كما هو الحال مع الدكتور أبوزيد، العالم الكبير قبل الوزير، وما هو مطلوب منه مهم وخطير ولا يحتمل التأجيل. وحين جاء إلى الوزارة، قبل تسع سنوات، كان يعلم مقدماً، أننا لانزال نروى الأرض بطريقة خاطئة، بنسبة مائة فى المائة، وأن الرى بالغمر، الذى كان سائداً لدى الفراعنة، ثم استمر إلى اليوم، لم يعد من الممكن أن يدوم، وأن فى الدنيا وسائل رى حديثة تبدأ بالرش، وتنتهى بالتنقيط، وليس بينها فى الدنيا شىء اسمه رى بالغمر يهدر كميات هائلة من ثروة يعرف الدكتور أبوزيد العالم مرة أخرى قبل الوزير أن ما عندنا منها محدود، وأن ما يأتينا منها، من الجنوب، معروف ومحسوب بالمتر المكعب الواحد، وأن عندنا موارد أخرى للمياه، كانت ولاتزال تنتظر منه أن يقول لنا، على وجه الدقة، ماذا علينا أن نفعل فيها، وكيف يمكن أن نستخدمها، أو نستثمرها، من أول ماء البحر، الذى هو فى حاجة إلى تحلية، ومروراً بالمياه الجوفية ومياه الصرف الصحى، وانتهاء بماء المطر الذى قد تأتى منه على مدار العام، حبات هنا وأخرى هناك!. وإذا لم تكن هذه هى «الرسالة» التى من أجلها جاء الدكتور أبوزيد إلى الوزارة، فلابد أن تكون هى وحدها الموجودة على مكتبه، ومن قبل مكتبه فى عقله وقلبه، وفى أعماقه منذ هذه اللحظة، وأن يقول لنا ماذا سوف يفعل، وما الذى وقف عائقاً فى طريقه، فى هذا الاتجاه، منذ تسع سنوات إلى هذه الساعة!. وإذا كنتُ قد اقترحت من جانبى أمس الأول، أن ينشأ مجلس أعلى للمياه، هو الأهم على الإطلاق، بين المجالس العليا التى نشأت وتنشأ، فالمهندس أيمن سليمان، يقول فى رسالة منه، إنه يخشى أن يتحول الأمر مع المجلس الأعلى، إلى ما يشبه المجالس العليا الأخرى التى لا يقدم أغلبها شيئاً له قيمة فى ميادين عملها، ويقول فى رسالته إن انشغال الوزير لا يجوز أن يكون بالماء وحده، وإنما أيضاً بالنيل ذاته، فهو الوعاء الذى يحمل إلينا هذه الثروة من الجنوب إلى الشمال، وليس هناك من يرعى شؤونه أو يحميه.. وكان تقديرى أن المهم من حيث الشكل ليس هو المجلس الأعلى أو غير الأعلى، وإنما أن تكون هناك إرادة حقيقية فى البلد تريد أن تقدم شيئاً، وأن توقف إرادة من هذا النوع هذا الإهدار لثروة نعرف أنها محدودة للغاية، وأن ما فى حوزتنا منها لا يسمح لنا بترف التعامل معها بهذه الطريقة!. يعود المهندس الكفراوى ويقول: يقيناً سوف يظل الدكتور أبوزيد مسؤولاً أمام الله، وأمام التاريخ، فيما يخص هذا الملف على أرضنا،وفيما سوف يقدمه فيه، فما نمارسه مع المتاح لنا من المياه، لا يرضى عنه دين، ولا عرف، ولا ملة، ولا ضمير.