شاهدت ليلة عيد الميلاد، عند أقباط مصر، الحوار الذى أجراه الصحفى الكبير مفيد فوزى مع البابا شنودة على قناة «أوربت»، وكان حواراً ممتعاً للروح والعقل وسط متابعة أخبار الحرب، التى يقوم بها جيش إسرائيل ضد غزة، والتى يسقط فيها من المدنيين أضعاف ما يسقط من العسكريين، وتعتبر أكبر مذبحة للأبرياء منذ مذابح البوسنة فى العقد الماضى. كان صوت البابا شنودة الهادئ، وكلماته الدقيقة، التى تجمع بين البساطة والعمق، والجمال والحكمة، تعبيراً رائعاً عن صوت مصر الحضارة والثقافة والأصالة، التى جمعت بين كل الأديان السماوية، ولا تعرف التعصب أو التفرقة بين الناس، حسب أعراقهم أو دياناتهم. وقد كنت دائماً أقول للزملاء والأصدقاء من نقاد السينما فى أوروبا وأمريكا أثناء لقاءاتنا فى المهرجانات الدولية، إن مصر فى العشرينيات من القرن العشرين الميلادى كان بها وزير يهودى، فى الوقت الذى كان فيه يهود أوروبا يخفون ديانتهم فى باريس ولندن وروما وبرلين إزاء العنصرية التى سادت بعد الحرب العالمية الأولى حتى قبل صعود النازية إلى الحكم فى ألمانيا عام 1933. قال البابا شنودة إنه أهدى مكتبته الإسلامية إلى المركز الثقافى القبطى الذى افتتح مؤخراً، وأنها مقسمة إلى عدة أقسام منها كتب التاريخ، وكتب أحاديث الرسول، وكتب تفسير القرآن، والتى تشمل الكتب الموسوعية مثل تفسير الطبرى، الذى يقع فى عدة مجلدات من الحجم الكبير. وربما أدهش ذلك بعض المتفرجين، ولكن لا غرابة فى ذلك، فهو مثل كل رجال الدين الكبار يجمع بين الدين والعلم، والعلم هنا بمعنى الثقافة الشاملة. وهزنى من الأعماق قول البابا شنودة إنه بذلك يعطى المثل لكل أقباط مصر حتى يدرسوا الدين الإسلامى، لأنه دين الغالبية من سكان مصر الآن، ويجب معرفته حتى يعرف الأقباط مع من يعيشون، وكيف يتعاملون مع المسلمين، ولا يجرحون مشاعرهم الدينية، وتظل العلاقات بينهم علاقات أخوية تقوم على الإيمان بالوطن الواحد الذى يجمعهم، وذكرنى حديث البابا بشعار ثورة 1919 الشعبية الكبرى التى نحتفل بمرور 90 عاماً عليها هذا العام: «الدين لله والوطن للجميع»، وهو المبدأ الذى يجب أن يؤمن به كل مصرى، ولا ينساه أى مصرى. وكم أتمنى أن يكون هناك لقاء تليفزيونى شهرى مع البابا شنودة، أو حتى كل ثلاثة شهور، حسب رغبته وقدرته، لا يرتبط بالمناسبات الدينية أو غير الدينية، ليسمع منه المصريون، فهو حكيم لمصر كلها، وليس للأقباط وحدهم [email protected]