جميلاً أن تكون سياسياً محنكاً وزعيماً مؤثراً ومفكراً لامعاً.. ولكن أن تكون خطيباً مخادعاً لشعور البسطاء تبث السموم للشعوب تطالب جيوش مصر بالانقلاب على قادتها واستدراجها للقتال لحساب الآخرين.. فهذا يعتبر تطاولاً على الكبار أصحاب التاريخ، الذى كتب صفحات عنهم فى الحرب والسلام قبل أن يقوم أمثالك بالحروب، أو يفكر حلفاؤك فى التفاوض سراً على السلام.. إنها سقطة واضحة أحدثت صدمة.. فهناك إسرائيل العدو المجرم المتمرس فى المذابح والجرائم، ويحترف قضم الأراضى، ويهوى الترهيب والتخريب وعدم احترام للحدود.. وهناك مخطط جديد أثبت لنا إن كان خلافنا مع إسرائيل خلاف حدود فخلافنا مع المحور الإيرانى اختلاف وجود، فأمام شلالات الدم فى غزة يخرج فيض من الشتائم والهجوم على مصر، وأصبح المشهد أن الحرب ليست بين إسرائيل وفلسطين فقط ولكن بين إيران ومصر، فهل هذا كان متوقعاً أو رد فعل طبيعياً؟! الحمد لله أننى كنت مع عدد قليل لا يتعدى أصابع اليد الواحدة يرى هذا الخلاف والمخطط الخفى القادم إلينا من بعيد وللأسف ظلت هناك لا مبالاة ورفض لهذا الكلام. فالفجور الأخلاقى لم يكن من جانب إسرائيل للفلسطينيين، ولكن أظهر الحقد ومدى شراء الضمائر والنفوس، فهذا ليس رد فعل على عملية غلق الحدود لمعبر رفح ولكنه محاولة واضحة لتحجيم الوجود.. فهناك ثلاث جهات تلعب على الساحة فى المنطقة: إيران وإسرائيل وتركيا، وكل منها يعرض قدراته أمام الإدارة المقبلة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن كانت إسرائيل دولة لم ترسم حدودها حتى الآن، فإيران دستورها ينص على نشر ثورتها الإسلامية على المنطقة، لاستعادة هيبتها على العرب، التى دائماً تنظر إليهم بعين الازدراء، وهذا ما تحمله أساطيرها وثقافتها فى الكتب والنفوس الفارسية حتى الآن.. واستخدمت سوريا، الدولة العربية التى تحمل حدوداً مع إسرائيل التى تملك أكبر مساحة أراض محتلة والجولان، لم تحترف سوى الصمود بالكلام والحرب والوكالة عن طريق احتضان ورعاية منظمات، فلا ترى سوى الأمن والاستقرار فى سوريا والحروب والانقسامات فى فلسطين ولبنان. أما فى الخليج الفارسى، كما تفضل إيران الحفاظ على تسميته، فقد اختارت إيران دولة قطر أن تكون أهم أبواقها، وهذه الدولة الخليجية الصغيرة التى لا تحمل شيئاً فى التاريخ أو الجغرافيا ومن حقها أن تحكم من خلال محطاتها الفضائية، ومن خلال أموالها الفائضة، وبالفعل استطاعت الحصول على الجائزة حين عقد مؤتمر التهدئة اللبنانية، الذى تم على أرضها وسمى «مؤتمر الدوحة» والذى أعطت فيه إيران الضوء الأخضر لانعقاده وإنجاحه فى قطر، التى قدمت الكثير من الدعم والمال والمواقف السياسية السابقة لإيران وحلفائها فى لبنان من حزب الله وعون وغيرهما الذين تدعمهم سوريا منذ سنوات.. كل ذلك ليسجل لها سطر فى التاريخ، فقد سبقتها السعودية من قبل ب «مؤتمر الطائف» الذى اعتبر دستوراً للبنان فالمنافسة القطرية مع السعودية معروفة للجميع، حتى بعد أن رسمت الحدود بينهما مؤخراً يظل التنافس السياسى مفتوحاً دون حدود، واستكملت المنافسة مع مصر والدعوة للقمة الاستثنائية. والهجوم عليها بهذا الأسلوب تأكيد على ضرورة تسجيل للدور القطرى بالفهرس العربى.. وكل شىء مقبول دون هذا الهجوم المنظم على السفارات المصرية وتعليق الأحذية على الأسلاك الشائكة أمام سفارة مصر فى لبنان.. فقد جاءت تصريحات رئيس وزراء فرنسا لجريدة «الحياة» يوم 25 ديسمبر الماضى والتى حملت وجهة الرئيس مبارك، التى أوضحها بصياغة دبلوماسية فائقة، فضحت دور إيران وسوريا وتلاعبهما بالقضية الفلسطينية واستخدام حماس فى تغلغل هذا الانقسام، ومدى استفادة إسرائيل من كل هذه الأزمات، فقد جاء الغزو بعدها بأيام ليؤكد هذا الكلام المستند على التعطيل الإسرائيلى لعملية السلام فى ظل إدارة أمريكية فاشلة قطعت جميع الأوصال فى إعادة الاستقرار من العراق إلى أفغانستان، فنحن فى الوقت الضائع الذى يسمح لإسرائيل بأخذ مساحة أكبر للإجرام والقتل والترهيب، طمعاً فى مساحة أكبر من الأراضى تضمن عدم وصول الصواريخ إلى مواطنيها ويبقى شعب فلسطين البائس الوحيد بقادته دائماً وبقدره المعروف معهم ومع الخلافات العربية أضيف إليه اليوم الأطماع الإيرانية.. فهذا التوقيت هو نفسه من سمح لإيران بالخروج من عباءتها لتحريك حلفائها من الجماعات المتطرفة والأخرى من الجماعات الإسلامية المعارضة للانقلاب على شعوبها، مما دفع حسن نصرالله أمين ولاية الفقيه فى المنطقة للتهجم على مصر أكثر من خالد مشعل والفلسطينيين أنفسهم الذين لهم حق عقيدة الدفاع عن وطنهم بأسلوبهم، والواضح أن أسلوب المصرى جعل البعض يظن أن مصر قد نامت عن ثعالبها ولكنها كانت تترفع عن هذه المهاترات وتتعالى عن الجراح، واليوم بعد أن سقطت الأقنعة ووضحت النوايا جعلت الخلافات العربية تسمح بأن يكون الصديق أكثر ضراوة من العدو والقريب أشد عداوة من البعيد. مرة أخرى أقول لمن يهمه الأمر إنه ليس هناك منا مستفيد فقد قال تعالى: «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين»، فإذا توقف الدم الفلسطينى وكتب له الانتصار، ستظل هناك جراح يطول ترميمها. [email protected]