سألنى أحد القراء يوم الاثنين: الدنيا تحترق وأنت تكتب عن النحت، فهل تهرب من اتخاذ موقف وأنت صاحب موقف سياسى واضح؟ ألم تر صورة أحداث غزة، وألم تسمع صوت من يقرأ الشهادتين وهو يحتضر؟ أليست هذه صورة تستحق التعليق، وصوتاً جديراً بأن يتردد صداه فى عمودك، وهل يمكن لأى صاحب عمود يومى أن يتجاهل ما يحدث حتى لو لم يكن عموده من الأعمدة السياسية؟ القارئ على حق، وكل ما هناك أن كون العمود غير سياسى يمهلنى بعض الوقت للتأمل. كاتب هذه السطور، مثل الملايين من البشر فى العالم يؤمن بالسلام، وبأن الحرب يجب أن تكون آخر الحلول، وليس أولها، وليس أوحدها، وقد روَّعَنِى ما حدث ويحدث فى غزة، وتألمت لمقتل المئات وجرح الألوف من أبناء الشعب الفلسطينى فى غزة، ولكنى تألمت أيضاً من الذين علقوا بأن دماء الضحايا فى أعناقنا «جميعاً»، ومن الذين قالوا إن الحكومة المصرية متواطئة مع إسرائيل فى هذا الهجوم الوحشى الذى لا يمكن تبرير وحشيته بأى ذرائع. دماء الضحايا فى أعناق مَنْ قرروا عدم التمديد لما سمى ب «التهدئة» دون أن يمتلكوا القوة العسكرية الملائمة لمواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية، وفى أعناق مَنْ قاموا بقتلهم حتى لو كانوا من حيث الشكل يدافعون عن أنفسهم، فهم يعلمون، والعالم كله يعلم، أن صواريخ حماس ضد إسرائيل صواريخ سياسية، ويمكن التصدى لها بوسائل أخرى غير العقاب الجماعى والإبادة الجماعية. ويمكن اتهام الحكومة المصرية بأى اتهام إلا التواطؤ مع إسرائيل فى هذا الهجوم، فالحكومات المصرية فى كل العهود منذ بداية الغزو الصهيونى لأرض فلسطين منذ أكثر من مائة عام كانت دائماً أكبر وأقوى من التواطؤ لمصلحة المشروع الصهيونى، ولا يجب على أحد من المصريين أو العرب أن ينسى أن أول وآخر أمر عسكرى وقع للهجوم على إسرائيل، كان الأمر الذى وقعه الرئيس السادات، وأن الرئيس مبارك هو الحاكم العربى الوحيد الذى حارب إسرائيل بنفسه كمقاتل، والحاكم العربى الوحيد الذى يحكم بلداً يلتزم باتفاقيات دولية وثنائية مع إسرائيل، ومع ذلك لم يقم بزيارة إسرائيل طوال أكثر من ربع قرن حتى يتحقق السلام، ويكون للشعب الفلسطينى دولته الحرة المستقلة على أرضه. بل إن مصر كانت وراء التهدئة، وبذلت كل الجهود للحيلولة دون وقوع مذبحة غزة، وإذا كان مِنْ لَوْم يوجه للحكومة المصرية فهو الوقوف على مسافة واحدة من السلطة الشرعية الفلسطينية وسلطة الانقلاب على الشرعية فى غزة، وكان عليها أن تنحاز للسلطة الشرعية انحيازاً تاماً وصريحاً، فمصر لم تقطع العلاقات مع إيران رفضاً للدولة الدينية من 30 سنة، لكى تصل إليها إيران على الحدود فى غزة، وتهدد فلسطين ومصر معاً. [email protected]