إن للهجرة لطائف سَنية، ودقائق عليّة يقف عندها العقل عاجزاً مبهوراً، فلقد وقف على ساحلها العلماء، فنهلوا منها منهلاً عذباً على قدر استطاعتهم، وأوغل فى بحرها الصالحون الصادقون، فغنموا وأثمروا واستخرجوا من لطائفها الجواهر واليواقيت، فكلما أوغلوا عجزوا عن إدراك بعض ما حصّلوا، فإذا ما نظرنا إلى أحوال المسلم الحق، والمؤمن الصادق والمحسن الموقن، نجد أنهم فى هجرة دائمة وفى سفر دائم إلى الله تعالى فى سلوكهم وأحوالهم وأقوالهم وأفعالهم، لا يستقر بهم مقام فهم فى صعود دائم، ذلك لأن عقيدة الصالحين أن المؤمن كالماء إذا طال فى موطن تغير، وإذا جرى أصبح عذباً صافياً.. والهجرة هى الفرار من الأوزار إلى الأنوار، ومن الأنوار إلى الأسرار، ومن الأسرار إلى الواحد القهار، وإن إلى ربك المنتهى.. وهى الفرار من الأقوال والأفعال والأحوال إلى الله سبحانه وتعالى، ولأنك عبد له سبحانه فلابد أن تكون معه سبحانه بلا نفسك، تكون معه على مراده وعلى اختياره، وبذا تصح عبوديتك وهجرتك وسفرك إليه.. وللمسلم هجرة وللمؤمن هجرة وللمحسن هجرة كل بحسب مقامه، فالمسلم يفر من عاداته وأفعاله الرديئة، فهو مشغول بتهذيب قلبه وترويض نفسه على الطاعة، ولذا قال الحبيب المصطفى: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» قال تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا»..عندها يتذوق العبد حلاوة الطاعة وتغلب عليه أنوارها، وعندها تجذبه تلك الأنوار إلى مقام الإيمان. وهم، كما قال الحق فيهم «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون»، وقال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح».. وقال الإمام الشبلى: ليس للعارف علاقة ولا للمحب شكوى ولا للعبد دعوى فمن عرف الله انقطع إليه.. وقال تعالى فى محكم التنزيل: «ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله». حسين عبدالمعطى رئيس نادى الأدب - بيت ثقافة الحامول