الثلاثاء إعادة 55 دائرة فى «ثانية نواب» |139 مقرًا انتخابيًا بالسفارات فى 117 دولة.. وتصويت الداخل غدًا    العمل: طفرة في طلب العمالة المصرية بالخارج وإجراءات حماية من الشركات الوهمية    مصير أسعار الذهب في 2026 بعد خفض الفائدة الأمريكية؟    مستشار رئيس «التعبئة والإحصاء»: بناء قاعدة بيانات دقيقة حول الثروة العقارية    رئيس مياه المنوفية: تحسين جودة الخدمات للمواطنين وتسهيل الإجراءات    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو أصبح وصمة عار على إسرائيل عالميًا    المحكمة الجنائية الدولية ترفض طلب إسرائيل وقف التحقيق في جرائمها بقطاع غزة    الأمر سيصعب على برشلونة؟ مدرب جوادلاخارا: عشب ملعبنا ليس الأفضل    مانشستر يونايتد يتقدم على بورنموث بالشوط الأول    تعرف على تفاصيل تعطيل الدراسة اليوم بمحافظة شمال سيناء.. فيديو    قرار جديد بشأن المتهم بقتل شقيقته خنقًا فى العمرانية    بتهمة الإتجار في المواد المخدرة المؤبد لعاطلين وغرامة مالية بقنا    تصادم قطار بسيارة نقل على خط مطروح – محرم بك دون إصابات    إبراهيم المعلم: كتاب المفاوضات السرية لهيكل الأكثر مبيعا في مسيرة دار الشروق    عمرو أديب مُهاجمًا محمد صبحي بسبب فيلم "الست": أنت عايز تعمل مؤامرة على مصر؟    حورية فرغلي: أنا عايشة لوحدي ومكتفية بحيواناتي    اعتماد أوروبى للبلازما |مصر سادس دولة فى العالم تحقق الاكتفاء الذاتى    يا أعز من عينى.. إحساس راق من نسمة محجوب فى برنامج كاستنج.. فيديو    متحدث الصحة: إطلاق الرقم الموحد 105 لتلقي استفسارات المواطنين    متحدث الوزراء: لا مساس بأسعار الخدمات الطبية المقدمة لمحدودي الدخل    بدء تطبيق المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحى الشامل في هذا الموعد    دراما بوكس| ظهور مميز ل إنجي المقدم في «الست موناليزا».. وركين سعد تتعاقد على «أب ولكن»    شعبان يوسف: تجاهل معارك طه حسين مع درية شفيق غير جائز    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    خبير استراتيجي: داعش يعيد بناء نفسه في البادية السورية.. وواشنطن تستثمر حادث تدمر لشرعنة قاعدة عسكرية    تركيا تسقط طائرة مسيّرة اقتربت من مجالها الجوي فوق البحر الأسود    الإدارية العليا ترفض الطعون المقدمة في بطلان الدوائر الانتخابية في قنا    عيد البحرين ال 26 |القاهرة تثمن مواقف المنامة تجاه القضية الفلسطينية    اللمسة «الخبيثة» | «لا للتحرش.. بيئة مدرسية آمنة» حملات توعية بالإسكندرية    الأهلي يستعد لضربة هجومية كبرى في الشتاء    شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمناسبة اليوم الوطني ال54 لمملكة البحرين    "الوطنية للانتخابات": إغلاق 31 مقرًا باليوم الأول من جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب بالخارج    نجلة جلال الشرقاوي تكشف سرا عن شقيقة الزعيم الراحلة    تقارير إعلامية: القبض على نيك راينر بتهمة قتل والده المخرج روب راينر ووالدته ميشيل سينجر    اجتماع منتظر بين وكيل صلاح وليفربول لحسم مستقبله    عاهل الأردن يلتقي رئيس الوزراء الهندي لتنسيق الجهود الإنسانية والإقليمية    السيطرة على حريق بمخبز دون خسائر بشرية في أسوان    نائب رئيس جامعة عين شمس: تقديم أوجه الدعم والرعاية للطلاب الوافدين    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟ الأزهر للفتوي يوضح    وزير الأوقاف: الانضباط المؤسسي ومجابهة التطرف في صدارة أولويات المرحلة    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    قمة عربية نارية الليلة.. السعودية تصطدم بالأردن في كأس العرب 2025 والبث متاح للجماهير    الجيش الإسرائيلي يعتزم هدم 25 مبنى سكنياً في الضفة الغربية    الدليل الكامل لامتحان اللغة العربية نصف العام 2025–2026 للمرحلة الابتدائية    سعر طن حديد عز.....اسعار الحديد اليوم الإثنين 15ديسمبر 2025 فى المنيا    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: توطين الصناعة وخفض الواردات لتعزيز الصادرات المصرية    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    بث مباشر.. المغرب يلتقي الإمارات في نصف نهائي كأس العرب 2025.. تعرف على القنوات وكيفية المشاهدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء التراث وقضايانا
‏..‏ محمد زاهد الكوثري‏(2-2)‏ المعاصرة

عرف التراث الإسلامي علي مدي تاريخه الطويل نمطا فريدا من العلماء‏:‏ يستغرقون أعمارهم ويفنون أبصارهم في تحصيل دقائق علم بعينه‏,‏ أو علوم بأعيانها لا يبغون عنها حولا‏,‏ ويجدون في تكبد مشقات هذا التحصيل‏:‏ من المتعة العقلية واللذة الروحية ما يغنيهم عن متع الحياة ولذائذها جميعا‏,‏ وعلي كواهل هذا الطراز النادر من العلماء انبني الصرح العلمي الإسلامي رفيعا مهيبا‏,‏ وتشيدت لبنات الحضارة الإسلامية باذخة شامخة‏.‏
ولقد كان الإمام الكوثري واحدا من أبرز رجالات هذه الكوكبة من العلماء المحصلين في العصور القريبة بلا مراء‏,‏ بل لعله من أكثرهم ثراء وتنوعا‏,‏ وسعة وشمولا‏,‏ فلم تقف شهية التحصيل لديه عند علم معين‏,‏ بل امتدت من علوم العقائد إلي علوم السنة‏,‏ إلي مجال الفلسفة‏,‏ إلي مجالات الفقه وأصوله‏,‏ إلي علوم الأديان والفرق‏,‏ دون أن يشغله التضلع في تحصيل إحداها عن التضلع في بقيتها‏,‏ بنفس القدر من العمق والاستقصاء‏.‏
بيد أن الإمام الكوثري لم يقف في عطائه العلمي عند حد التحصيل فحسب‏,‏ ولو أنه فعل ذلك لما كانت له هذه المنزلة السامقة التي تبوأها في العقد المنير من علماء التراث‏,‏ لكنه أضاف إلي مهمة التحصيل‏:‏ مهمة التجديد‏,‏ وكان يري في هاتين المهمتين الجليلتين كلتيهما‏:‏ التحصيل والتجديد‏:‏ عبادة يبتغي بها وجه الله تعالي‏,‏ ورسالة ينير بها مسالك الأمة ودروبها‏,‏ لاسعيا وراء شهرة أو مال‏,‏ ولا استهدافا لجاه أو منزلة‏,‏ بل كان يلقي من جراء الإخلاص العميق لمهمتيه هاتين‏:‏ الضنك وشظف العيش‏,‏ ويحتمل في سبيلهما البأساء والضراء‏!!‏
في مهمة التحصيل يكاد يستعصي علي المرء إحصاء ذخائر التراث التي تولي الإمام الكوثري الحصول عليها‏,‏ ثم تقديمها لأجيال الدارسين والعلماء من بعده‏,‏ ولولا ألمعيته الوقادة لظلت تلك الذخائر تائهة في خزائن المكتبات المبعثرة‏,‏ بل ربما خسرتها الذاكرة العلمية للأمة أبدا‏.‏
ولم تكن مهمة التحصيل تلك‏:‏ تجعل منه مجرد أحد الوراقين‏,‏ أو النساخ الذين عرفتهم خزائن المكتبات في حواضر العلم الإسلامية خلال عصور مضين‏,‏ بل كانت مهمة التحصيل عنده تذهب به إلي الغوص في عمق أعماق تلك الذخائر‏,‏ فتراه يكتب لكل منها المقدمات الضافية الذيول‏,‏ العميقة الأغوار‏,‏ حتي ليظن قارئ كل واحدة من هاتيك الذخائر‏:‏ أن الكوثري لم يكن له شغل سواها‏,‏ وأنه لم يعكف إلا عليها‏!!‏
فهذا هو الكوثري علي سبيل المثال في مقدمة تحقيقه للكتاب المعنون‏(‏ تبيين كذب المفتري‏)‏ الذي ألفه العلامة ابن عساكر في القرن الخامس الهجري‏:‏ يستعرض التاريخ الاعتقادي الصحيح للأمة الإسلامية منذ عصورها الباكرة وصولا إلي الإمام أبي الحسن الأشعري ومدرسته الباذخة‏,‏ ولا ينسي الكوثري في غمرة هذا الاستعراض التاريخي أن ينتقد ابن عساكر لميله إلي الإكثار من الرؤي والأحلام في امتداح الإمام الأشعري‏,‏ مع أنه كان الأجدر به أن يكتفي بحجج اليقظة عن رؤي المنام‏,‏ والحجج عند الإمام الأشعري كثرة كاثرة‏!!‏ وها هو علي سبيل المثال أيضا في مقدمة تحقيقه لإحدي ذخائر علم الحديث رواية ودراية‏,‏ وهو كتاب نصب الراية ينتهض فارسا لا يشق له غبار‏,‏ سواء في علوم الجرح والتعديل‏,‏ أو في تراجم الرواة من الحفاظ والمحدثين‏,‏ مشيدا باشتمال هذا الكتاب النادر علي نصوص حوتها مصادر مجهولة لولاه لطوتها غياهب الفناء‏!!‏
في مهمة التجديد‏:‏ لم يكن الكوثري داعية إلي مذهب مبتدع‏,‏ ولا مروجا لاتجاه مخترع‏,‏ بل كان يري أن التجديد الحقيقي يتمثل في إعادة البهاء والرواء إلي الفهم الصحيح للدين‏,‏ وإزالة ما علق به علي أيدي كثير من الأدعياء من غلظة في التناول‏,‏ ومن حرفية في الفهم‏,‏ ومن جمود في الرؤية ومن عداء للعقل‏,‏ فلقد كان العقل عند الكوثري أخا شقيقا للشرع‏,‏ وكان يجهر بصوته عاليا بقولة ابن الجوزي إننا بالعقل عرفنا الله تعالي وأثبتنا وجوده‏,‏ فينبغي أن لا نهمل العقل‏,‏ وإلا أهملنا ما ثبت به الأصل‏!!‏
فلقد كان الإمام الكوثري في تجديده يستشعر مكامن الخطر العقدي والفكري التي ينطوي عليها إهمال العقل علي حد تعبير ابن الجوزي‏,‏ وهي مخاطر لا تقف عند حد الفهم الظاهري الجامد لنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بذات الله تعالي وصفاته وأفعاله بما يؤدي إليه ذلك من تعكير صفو التنزيه وتشويه نقاء التقديس‏,‏ بل تتعدي ذلك إلي تكوين نمط من التفكير الأجوف الذي يتحول باهتمامات الأمة من الجوهر إلي المظهر‏,‏ ومن المضمون إلي الطلاء‏,‏ فإذا بالأمة ولا هاجس لها إلا الأشكال والطقوس‏,‏ ولا شغل لها إلا قضايا الملبس والمأكل أو ما هو دون الملبس والمأكل‏,‏ مهما توكأت بعض تلك الاهتمامات علي أفهام ضيقة لبعض الآثار التي في أسانيدها مقال‏..‏وأي مقال‏,‏ وتاهت من وعي الأمة القضايا المصيرية الكبري في النهضة والحرية والتقدم ودفع الظلم ورفع الجور‏,‏ وها نحن نلمس لدي أتباع السلفية المدعاة اليوم‏:‏ شاهد صدق علي منطق الكوثري ورؤيته الثاقبة‏!!‏
وفوق ذلك كله‏..‏ فقد كان التجديد‏,‏ عند الكوثري لاينهض إلا علي شحذ إرادة الأمة سعيا إلي انبعاثها من عثراتها الفكرية والروحية‏,‏ إن التجديد عنده ليس مجرد علوم تحصل‏,‏ وليس مجرد كلمات تقال‏,‏ بل إنه هجرة إلي التمسك بالمبادئ القويمة المؤدية إلي سعادتي الدنيا والآخرة‏,‏ وإيقاظ الروح الوثابة في نفوس المسلمين‏.‏ ثم أقول‏:‏ لئن كانت أجيال العلماء اللاحقين مدينة بالفضل للإمام الكوثري بالحفاظ علي تلك الذخائر العظمي التي حفظها لنا من الاندثار والضياع‏,‏ فهي مدينة له أيضا بالتفاني في الدفاع عن قضايا الإسلام الكبري‏,‏ ومدينة له كذلك بوقفته الصلبة أمام موجات السلفية المدعاة‏,‏ ودعوات التغريب‏,‏ ورياح العلمانية‏;‏ وهي جميعا في النأي عن جادة السبيل سواء‏!!‏ ألم يكن التجديد الصحيح عنده هو أن يعود للدين رونقه وبهاؤه وضياؤه‏,‏ ثم ألا يتبين لنا اليوم أن كلمات الكوثري الذي لا تكاد الأجيال المعاصرة تدري من أمره شيئا لازالت صالحة لأن تقال لهذا الجيل ولكل جيل ؟؟

المزيد من مقالات د.محمد عبدالفضيل القوصى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.