اعتبر خبراء إعلاميون أن هروب المواطن العربى، خاصة المصرى إلى الفضائيات العربية على اختلاف مضمونها وترك قنواته الأرضية هو «محنة»، واصفين الإعلام الرسمى العربى ب «التعبان»، وأشاروا، خلال المؤتمر الذى نظمه المركز الدولى للدراسات المستقبلية السياسية، بعنوان «دور وتأثير القنوات الفضائية على توجهات الرأى العام»، إلى أن الإعلام الخاص تحول إلى «سلطة ثانية» فى ظل سيطرة الدولة على الإعلام الرسمى وعلى السلطتين القضائية والتشريعية. وأرجع الأديب والكاتب الصحفى يوسف القعيد، هروب المواطن المصرى إلى الفضائيات العربية، وقضاء أغلب أوقاته فى متابعة ما تبثه، وتسليم عقله ووجدانه واكتفائه بدور المتلقى فقط، إلى عدة أسباب، منها تراجع دور الدولة عن تقديم الخدمات الواجب توفيرها، الأمر الذى جعل بعض المواطنين يذهبون إلى بعض الفضائيات وعرض مشكلتهم عليهم من أماكن بعيدة، والجلوس أمام مقرها لساعات طويلة، بعدما أصبحت بالنسبة لهم المفر الوحيد لحل مشاكلهم، فضلاً عن انسداد قنوات العمل السياسى فى مصر، مشيرًا إلى أن الاشتغال بالعمل السياسى فى المحافظات البعيدة عن العاصمة أصبح عملاً غير مأمون، موضحًا أن ارتباط المواطن المصرى بالفضائيات التى تعرض الأمور التى يحب التعبير عنها زاد، ولكنه لا يستطيع تكذيب كل ما يذاع على القنوات الأرضية من قرارات رسمية، ولذا يلجأ اللجوء إلى قرينتها الفضائية للتأكد من صحة الخبر من عدمه. وقال القعيد إن المحنة التى يعيشها المواطن المصرى فى الهروب إلى الفضائيات، أدت إلى ظهور ما سماه «سياسة التحايل»، للوصول إلى هذه القنوات بأى وسيلة، كالإقبال على شراء جهاز يسمى «حرامى الدش»، الذى يلتقط الإرسال الفضائى بمجرد توجيهه إلى أطباق الإرسال الفضائية، وظهور «الوصلة» التى تملأ الشوارع مقابل اشتراك شهرى يصل إلى 25 جنيهًا، وأصبح أفقر الفقراء - على حد قوله - يمتلك القنوات الفضائية بما فيها المشفرة. وأوضح الإعلامى حافظ الميرازى، أن ارتباط المصريين بالقنوات الفضائية ومتابعتها للتأكد من صحة الأخبار أصبح «أمرًا تاريخيًا»، نتيجة لموقع مصر الجغرافى المميز الذى يجعلها دائمًا قريبة من الأحداث العالمية، لافتًا إلى ازدياد لجوء المصريين إلى الإذاعات الأجنبية الموجهة باللغة العربية، لاستقاء معلوماتهم منها، خاصة فى آخر 30 سنة من القرن الماضى.ونبه الكاتب الصحفى صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة «القاهرة»، إلى خطورة تأثير القنوات الفضائية وأدوات الاتصال، الناتجة عن ثورة تكنولوجيا المعلومات، على الرأيين العام المحلى والإقليمي، خاصة فى الدول التى تعانى من الأمية الثقافية والفكرية والسياسية، واصفًا الإعلام العربى الذى كان يتعامل مع المتلقى خلال الستة عقود الأخيرة باعتباره يمتلك آذانًا دون ألسنة ب «التعبان»، مؤكدًا أن مشكلته الأساسية كانت تكمن فى تعبئة المواطن بسياسات معينة، والوقوف فى صف الحكومات، الأمر الذى أدى إلى ظهور إعلام تعبئة مضاد لإعلام الحكومات، وبالتالى افتقد المشاهد قدرته فى تكوين خياراته بعيدًا عن«التعبئتين» الحكومية والمضادة.