موقف مصر من حصار غزة ومن حركة «حماس» يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة، ذلك أن مصر من الناحية الواقعية ساندت غزة، من حيث القوافل التى أرسلتها مصر الرسمية، ومن حيث الجهد الذى بذلته مع «حماس» عبر فريق أمنى رفيع المستوى، لكن الظاهر فى العلن أن موقف مصر غير ذلك، وأنها تشارك فى فرض الحصار على القطاع.. هناك جهد رسمى بذل من مصر وشاحنات غذاء خرجت وقوافل طبية، بعضها يعود إلى الصليب والهلال الأحمر المصريين وبعضها الآخر يعود إلى الدولة مباشرة، لكن المشكلة التى لا يريد البعض هنا أن يتفهمها أننا فى عصر وزمن ينظر إلى الجهد الرسمى هل أنه «واجب» وإذا بذل هذا الواجب فلا شكر عليه وإن لم يبذل فهو التقصير وربما هو أكثر من ذلك، أما الذى يبدو للعيان ويتوقف عنده الجميع هو الجهد الأهلى، من خلال قوافل وحملات إغاثة يقوم بها المتطوعون وأصحاب الحس الإنسانى. وحاولت بعض القوافل الأهلية أن تتحرك من مصر، لكن وزارة الداخلية رفضت السماح لها بدعوى أنها لم تحصل على ترخيص رسمى من الداخلية، ويبدو لى أن المسألة ليست كذلك، وحتى حينما نجح البعض فى الوصول إلى رفح منعهم الأمن بقسوة غير مبررة، وكأننا فى معركة حربية يتفنن كل طرف فيها فى مداورة الآخر! الواضح أمامنا أن بعض الجهات الحكومية والأمنية هنا تقف ضد خروج قوافل الإغاثة التى يقوم بها الناشطون، وأتصور أن جهاز الأمن ليس مستريحاً بل قلق من الذين يقفون وراء هذه القوافل ربما لتقارب أو تشابه أيديولوجى بينهم وبين «حماس» وقد يكون هناك تخوف من التقاء الطرفين، أمام الرأى العام بأن مصر الدولة ضد وصول القوافل إلى أهل غزة، وهناك المتربصون بالسياسة المصرية فى المنطقة فنفخوا فى الأمر وحركوا المظاهرات ضد السياسة المصرية.. وكان يجب أن يتوقع بعضنا ذلك ويتحسبوا له، لأن ذلك فيه مساس بدور وصورة مصر فى المنطقة. من حق بعض الأطراف هنا ألا تثق فى «حماس»، وهى بالتأكيد ليست أهلاً للثقة عبر كل ما قامت به، سواء على الحدود مع عدد من الجنود المصريين أو مع خصومهم من منظمة فتح، ومن حق البعض أن يتشكك فى «نوايا» بعض القائمين على قوافل الإغاثة هنا.. لكن كان يجب مع منع قافلة بعينها أن تتحرك قوافل أخرى.. وهذا ما يجب أن نناقشه بصراحة. يدهشنى حقاً هذا الارتباط بين الحزب الوطنى وبقية الأحزاب مع بعض الجهات الأمنية - أعرف أن هناك فئة تسمى شباب الحزب الوطنى وهناك أمانة خاصة باسم أمانة الشباب، ألم يدر بخلد أمين الشباب وشبابه أن يعملوا على تسيير قافلة طعام وأدوية ومساعدات، تذهب إلى أهل غزة وتحمل اسم أمانة شباب الوطنى؟ أما وقد تخاذلت هذه الأمانة ألم يكن ممكناً لحزب «الوفد» أن يحرك قافلة، أم أن الحزب استغرق بالكامل فى صراعاته الداخلية..؟! وماذا عن حزب «التجمع» ومواقفه واضحة ومعلنة تجاه الشعب الفلسطينى، لقد ذهب عدد من رموز وقيادات الحزب سنة 82 إلى بيروت للتضامن مع ياسر عرفات ومع الشعب اللبنانى ضد الحصار.. ترى هل انعكس موقف التجمع من «حماس» على القضية برمتها؟!! ويمكن أن نطرح التساؤل نفسه على الحزب الناصرى ورمزية عبدالناصر من القضية الفلسطينية حاضرة..؟! هذا الموت أو الخواء الحزبى هو ما دفع بعض الناشطين إلى التحرك وحدهم، ولهم الشكر أياً كانت «نوايا» بعضهم أو اتجاهاتهم الأيديولوچية. لقد أثبتت أحداث غزة غياباً كاملاً للأحزاب المصرية، ولو أن برامج هذه الأحزاب لا تسمح لها بذلك الحضور أو لعب أى دور لتفهمنا ذلك، لكن برامجها جميعاً تؤكد مركزية القضية الفلسطينية، لا يستثنى من ذلك أى حزب، خاصة الأحزاب الرئيسية.. وبرامجها جميعاً. فى دروس المطالعة قديماً حدثونا عن تلك السيدة التى طهت الطعام ثم نسيت أن تضيف له بعض الملح أو وضعت على سطحه بعض الغبار والأتربة فأفسدته، ويبدو لى أن ذلك هو حالنا فى مصر تجاه ما يجرى فى القطاع.. ومازال الباب مفتوحاً لتدارك هذا الأمر، فلتخرج قافلة من شباب «الوطنى» و«التجمع» و«الوفد» و«الناصرى»، وليعلن أصحابها أنهم ذاهبون إلى أهل القطاع وأنهم ضد «حماس» وما تقوم به، فإذا منعتهم «حماس» من الدخول فلتتحمل هى الوزر أمام الرأى العام ومع الأهالى هناك. لنكن صرحاء، كان أهل القطاع بين فساد «فتح» وإرهاب «حماس»، وقرروا تجنب الفساد، وأغوتهم شعارات «حماس».. صوتوا كراهية ورفضاً ل«فتح»، ولم يكن أمامهم خيار ثالث.. وهكذا صوتوا رفضاً ويأساً متصورين أن «حماس» سوف تأتيهم بالخير، لكن وقعوا أسرى «حماس» من جانب والإسرائيليين من جانب آخر، وأهل القطاع تحديداً لهم علاقة وتطلع خاص نحو مصر.. لنتذكر أنه فى العصر الإسلامى كثيراً ما كانت غزة والعريش قطاعاً إدارياً واقتصادياً واحداً.. وبعد 1948 كانت غزة تتبع مصر إدارياً أيضاً، ومن الصعب ألا ننتبه لتلك الحساسية ولا نحسب حسابها.. للحكومة وللدولة حساباتها مع «حماس»، ولكن أهل غزة ليسوا جميعاً خالد مشعل وجماعته، فلا يجب أن نتركهم لمشعل وارتباطاته ولا لإسرائيل وعنصريتها.. ولا يليق أن نترك دور مصر للصغار فى بعض العواصم بالمنطقة يمسونه ولو بالكلام.. ولا أظن أن علاقتنا بإسرائيل أقوى من علاقات قطر، ومع ذلك ذهبت سفينة قطرية من قبرص مزودة بدعاية ضخمة ولم يحدث أن تلقت مصر أسلحة من إسرائيل، كما فعلت إيران أيام حربها مع العراق، فيما عرف باسم فضيحة «إيران كونترا».. ومع ذلك تزايد إيران بقضية القطاع ونقف نحن مغلولين؟!! والحل هو قوافل أهلية من الأحزاب أو من غيرها تخرج إلى القطاع، ولتكن البداية من شباب الوطنى.. فهل يفعلونها؟!!