لا أعرف لماذا يتخوف البعض من الاقتراح الذى قدمته الأسبوع الماضى بالسماح لأعضاء من تنظيم الجهاد الموجودين فى السجون والمعارضين للمراجعات التى قام بها سيد إمام، الشهير بالدكتور فضل، بالظهور فى التليفزيون لمناظرته وعرض وجهات نظرهم المتشددة والرافضة لمراجعاته ولمراجعات الجماعة الإسلامية التى سبق أن قامت بها وبمشاركة مجموعة من الذين لهم ثقل ومصداقية لدى التيار الإسلامى وغيره، ومن بينهم مؤيدون للنظام ومعارضون له، لكنهم يرفضون تشدد من بقى على تشدده من الجماعات الإسلامية. وتعمدت عدم المطالبة بإشراك أحد من الإخوان المسلمين منعاً لأى حساسية قد تؤدى إلى رفض فكرة السماح بالحوار فى التليفزيون لتصل نتائجه إلى كل بيت فى مصر حاملة هزيمة للفكر المتطرف.. وهو البيئة الحاضنة للإرهاب دون أن يستفيد منها الإخوان على أساس أنهم تباهوا بعد مراجعات الجماعة الإسلامية بالتذكير بأنهم سبق أن نصحوها بأفكارهم المعتدلة والرافضة للعنف إلى أن تأكد الجميع من صدق مواقفهم. ومع ذلك لست على ثقة بأن هناك من سيأخذ على عاتقه مثل هذه المهمة خوفاً من تعرضه للتأنيب إذا تحولت نتائج المناقشات ضد النظام، وبالتالى صدور قرار بإيقافها. وكانت قد وقعت حادثة أيام الرئيس الراحل أنور السادات - عليه رحمة الله- عندما كان المرحوم الدكتور جمال العطيفى وزيراً للإعلام، فقد أراد البدء بعملية انفتاح إعلامى بأن نظم مناظرات سياسية بين رؤساء وممثلى الأحزاب بعد إقرار التعددية الحزبية وكان يعبر عن النظام وقتها حزب مصر العربى الاشتراكى برئاسة المرحوم ممدوح سالم رئيس الوزراء، ومن أبرز شخصياته المرحوم محمود أبووافية عديل السادات وكان ميالاً للمناقشات والانفتاح على الآخرين لذلك تم تقديمه ليكون المحاور عن الحزب، لكن كانت نتيجة المناقشات لصالح المعارضين لأنهم كانوا الأقوى حجة والأكثر إقناعاً لذلك صدرت تعليمات بوقف هذه الخطة، ولم يعرف أحد من كان وراء هذا القرار، لكنه بالتأكيد لم يكن الوزير جمال العطيفى ولا محمود أبووافية، وما سمعناه وقتها من مصادر مقربة أن النظام ليس لديه محاور قادر على مواجهة المعارضين. ولذلك وجدنا فيما بعد أثناء الانتخابات فى عهد الرئيس مبارك ظاهرة غريبة هى إعطاء عشر دقائق أو عشرين لا أذكر الآن عددها بالتحديد، لرؤساء الأحزاب المعارضة للظهور فى التليفزيون والإذاعة لعرض برامج أحزابهم، بينما كل الوقت لحساب الحزب الحاكم. أى أن هناك عقدة خوف من الدخول فى مناقشات مفتوحة وعلى الهواء مباشرة مع المعارضين، ولكنها لا يجب أن تتحكم فى القضية التى نحن بصددها، لأنه لاسياسات النظام الاقتصادية أو أخطاؤه السياسية التى قادت البلاد إلى كارثة، ولا انتشار الفقر وسيطرة طبقة محدودة العدد على ثروات البلاد، ولا بيع جانب من ممتلكات الشعب العامة للأجانب ولرجال أعمال النظام أو غيرها من البلايا والرزايا التى قذف بها فوق أمهات رؤوس الناس - سوف تكون من موضوعات النقاش وإنما على العكس سيواصل النظام استكمال ما تحقق له من نجاحات بالمراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية والتى يستعد الجانب الأكبر من الجهاد للقيام بها، واستكمال نجاحه سيكون بأيدى معارضيه من رافضى العنف والتطرف وهم على الأقل يمكن أن يلحقوا هزيمة مؤكدة بعناصر التطرف والدعوة للتشدد الذى يثير الشكوك فى مصداقية هذا النظام فى محاربة هذه العناصر، لأنه يسمح بتواجدها فى قمة نظامه فى وقت تراجعت فيه الجماعة الإسلامية عنها. وعلى سبيل المثال بماذا نصف مطالبة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى فى كلمة له أمام الرئيس مبارك بتطبيق حد الجلد على الصحفيين الذين قال إنهم ينشرون الإشاعات دون أن يتلقى أى تأنيب رسمى والبحث عن إجراءات لعزله من منصبه بعد أن كشف عن هذا القدر من التطرف؟ وكان من عدة سنوات وأثناء الغزو الأمريكى - البريطانى للعراق عام 2003 وأمام المؤتمر الذى نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بحضور علماء مسلمين من جميع أنحاء العالم، قد هاجم الذين تظاهروا استنكاراً للغزو وتأييداً للعراق بأنهم أمة من الرعاع ولم يتلق لوماً أو اتخذت ضده إجراءات لعزله. وعلى سبيل المثال أيضاً بماذا نفسر صمت النظام على قول محافظ كفرالشيخ اللواء أحمد عابدين فى حديث نشرته له مجلة المصور يوم 20 يونيو الماضى وأجرته معه زميلتنا إيمان النجار عن قيام بعض الأهالى فى البرلس بقطع المرور على الطريق الدولى الساحلى بعد قرار وقف صرف حصص الدقيق وتحويلها إلى المخابز ومهدداً بالآتى، إذا عادوا لمثل هذا العمل: «من يقترب سوف يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضده وسوف يلقى القبض عليه فوراً، ويحاكم طبقاً للقانون، كما أنه يوجد فى الإسلام الحرابة، ويعنى قطع الطريق، وقال عنه الإسلام إنه قطع الطريق ومن يفعل ذلك تقطع يداه ورجلاه من خلاف فليس من حق أحد قطع الطريق حتى وإن كان مظلوماً فالمظلوم له قنوات شرعية يلجأ إليها بدءاً من الحوار والمجالس المحلية والشعبية». ومع ذلك صمت عنه وعن الشيخ طنطاوى كل الذين هاجموا الداخلية واتهموها بعقد صفقة مع الجماعات الإسلامية وشككوا فى مصداقيتها فى المراجعات التى قا مت بها ونشرتها وتخلت عن تطرفها، بينما ينادى بالتطرف وبإجراءات خارج القانون شيخ الأزهر ومحافظ كفرالشيخ وسط انشراح صدر النظام لهما، وهو ما يثير الشكوك بدوره فى إمكانية لجوء النظام إلى استخدام التطرف الدينى إذا وجد أنه المخرج له من أزمة تهدد وجوده مثلما فعل الرئيس السودانى الأسبق جعفر النميرى وإعلانه تطبيق الحدود أو لتمرير قرارات اقتصادية، مثلما دفع شيخ الأزهر السابق الدكتور الشيخ جاد الحق على الحق بإصدار فتوى تؤيد مشروع قانون إلغاء نظام الإيجارات السابق فى الأراضى الزراعية. ومثلما فعل رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف عبيد وهو يشهد التوقيع بين محافظة الإسكندرية والشركة الفرنسية لجمع الزبالة بالفول بأن هذا تطبيق لأحد مبادئ الإسلام، وهو النظافة من الإيمان، وكأن المسلمين المصريين غير قادرين على استكمال دينهم بأنفسهم، وبعدها تنافست محافظات مصر على استكمال إسلامها بالاتفاق مع شركات نظافة أجنبية فى واحد من المشاهد المخزية والمهينة لقدرات الشعب فى جمع زبالته وتدويرها إلى أن كشفهم ربكم وفشلت سياسة استكمال إسلامنا بمعونة شركات النظافة الأجنبية.. فما هى هوية هذا النظام بالضبط؟!