لن يغلق ملف سيناء أبداً مهما حاول البعض منا نسيانه أو إغلاقه أو تجاهله، لأن سيناء من الجوائز الكبرى التى لا تنفك تتعرض للتهديد والضغط بأشكال شتى، ولعقود طويلة. ومنذ إنشاء دولة إسرائيل، كانت هى الخطر الأكبر والمستمر على سيناء، ليس فقط لأن الدولة العبرية بها «جين» توسعى، أو لأنها احتلت سيناء مرتين خلال فترة قصيرة لا تزيد كثيراً على عقد - وبينما كان الاحتلال فى المرة الأولى خمسة شهور «أكتوبر 1956 إلى مارس 1957»، فإنه استمر فى المرة الثانية خمسة عشر عاماً «يونيو 1967 إلى أبريل 1982» - ولكن لأنه مهما كانت النوايا حسنة والاتفاقيات معقودة، فإن وجود دولة عفية ومسلحة نووياً وبجوارها فراغ جغرافى وسكانى هائل يخلق اختلالات مغرية بالعدوان. ولكننا عرفنا الخطر الإسرائيلى وخبرناه وعرفنا كيف نتعامل معه حرباً وسلاماً، من خلال تحالفات إقليمية ودولية حتى خلقنا حالة من التوازن التى تكفل أمناً لسيناء تحرسه قواتنا المسلحة، وتحميه حكمة القادة ومهارة الدبلوماسية، ولكن الأعوام الأخيرة عرفت خطرين من نوع جديد: أولهما جاء من قطاع غزة حينما قامت حماس تحت غطاء من «المقاومة» بتثقيب الحدود المصرية بأنفاق تخلق حالة من الخروج على السيادة المصرية، وتغرق سيناء بأوضاع غير قانونية، حيث تسود حالات من الجريمة غير المنظمة التى تخلق لها مصالح وجماعات ممالئة على الجانب الآخر من الحدود، وأخيراً قامت بأكبر عملية اجتياح مدنية للحدود المصرية عرفها التاريخ المعاصر لمصر، ومن المؤسف أن وجود حماس قد شجع على وجود وكلاء مصريين لها كانوا على استعداد للتغاضى عن المصالح المصرية المباشرة فى الأمن وتنمية سيناء، بقدر استعدادهم للضغط - بالتظاهر فى الشوارع أو بالصياح فى أجهزة الإعلام - على السلطات المصرية مادام أن الأمر فى النهاية سوف يبدو إضافة لأعمال الجهاد التى قسمت ما بقى من فلسطين إلى بلدين، وأعطت إسرائيل أعظم أشكال انتصاراتها خلال الأعوام الأخيرة! ولكن هذا الخطر على تعقيده عرفت مصر كيف تتعامل معه، أو بمعنى آخر تتعايش معه، أخذاً فى الاعتبار توازنات خارجية وداخلية دقيقة تحاول قدر الجهد والطاقة إبقاء القضية الفلسطينية حية لا تموت، والحفاظ على الشعب الفلسطينى من الضغوط الإسرائيلية والحماقات الفلسطينية، والإبقاء على حد أدنى من التوافق المصرى حول موضوع مركزى فى السياسة الخارجية المصرية، ولكن الخطر الثالث جاء من الداخل حينما لم تتم ترجمة جميع المشروعات والتوافقات الداخلية على ضرورة تعمير سيناء ووضع أهلها الذين ضحوا كثيراً على طريق تنمية يستحقونها إلى واقع، وبعد أكثر من ربع قرن على التحرير، ورغم الغزل الوطنى فى سيناء ثلاث مرات كل عام: فى العاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، وفى الخامس والعشرين من أبريل، فإن قليلاً ما تم إنجازه حتى عندما عبرنا بمياه النيل إلى شبه الجزيرة، وكانت النتيجة أن خلل الفراغ السكانى أبقى تهديد إسرائيل ممكنا، وتهديدات حماس محتملة، وأكثر من ذلك خلق حالة من الخلل فى العلاقات بين أهل مصر فى الوادى، وأهل مصر فى سيناء، لأن الأولين يتحدثون كثيراً عن سيناء، والآخرين أصابهم الضجر من الإهمال والتأجيل، وكانت النتيجة سلسلة من التداعيات المرهقة التى تأخذ شكل مظاهرات على الحدود مرة، وحمل للسلاح واستخدامه مرة أخرى، وتحدى السلطة المصرية مرة ثالثة، وفى كل مرة فإن الحل كان مجموعة من البيانات والاستنكارات والحلف بأغلظ الأيمان على بقاء الوحدة الوطنية والرابطة القومية والمصير الواحد، ولكن ما عليك إلا انتظار أسابيع حتى يطير كل ذلك، ونجد حادثة أو واقعة جديدة تصيب بالدهشة من الشخصيات المزدوجة. الحقيقة التى لا يمكن تجاهلها فى كل ذلك، أنه لا أمن لمصر أو لسيناء دون تعمير هذه الأخيرة وتنميتها، كما هو موضح فى عشرات الخطط والتقارير، ومن يظن أن فراغ سيناء سوف يساعد على الدفاع عنها دون تضحيات كبيرة يقع فى خطأ استراتيجى هائل، لأن شبكة الأخطار الآن تترابط وتتشابك بطريقة يستحيل التعامل معها دون تجسير المسافة بين القول والفعل، ولا تحل هذه المسألة وزارة جديدة لسيناء، لأن البيروقراطية التى أبقت الأمور على حالها لا يمكن أن يتغير حالها عندما يكون لها مقعد فى مجلس الوزراء.. افتحوا الباب لملكية المصريين وللقطاع الخاص، وسوف تصير سيناء كلها مثل شرم الشيخ!