أم الشحات رغم سيطرتها كدلالة داينت أهل الحارة وأخضعتهم كمستهلكين دائمين لبضائعها التى أحياناً سليمة ودائماً مغشوشة.. رغم كل ذلك فقد استطاعت أن تكون فى قلوب ناس الحارة موجة عطف عتيقة برأى عام ثابت يضعها فى مصاف المشجعين للزكاة والإحسان سواء من المؤلفة قلوبهم عند الدفاع عن الحارة ضد أى عدوان من الحارات المجاورة أو لأنها من الجار الجنب وأنها من العاملين عليها لأنها فى خدمتهم دائماً ولأنها تربى يتيماً وتدخل فى الصدقات لأنها امرأة بلا عائل.. أصبحت أم الشحات على أجندة كل أهل الحارة فى الصدقات والزكاة بالرغم من أنهم جميعاً ع النوتة عندها، واستطاعت أن تكون على أجندة توزيع اللحمة فى كل عيد.. ولم لا فلديها يتيم تربيه رغم وصوله للسابعة عشرة. فى العيد الكبير تنهال لحوم الأضاحى على أم الشحات وتملأ ثلاجتها والفريزر تبعها وتدور عند الحبايب بالمتبقى الكثير. والنبى يا أم محمد تشيليلى دى فى الفريزر لوقت عوزة، أما أبوقورة المقاول الذى تعتمد عليه فى السيولة المالية لتشترى البضاعة فهو يعتمد عليها فى توزيع اللحمة والتى تأتيه من عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى الذى بينه وبين أبوقورة سلسلة من شخوص الحكم المحلى، ويصبح فى الحى وفى كل حارة مراكز لتوزيع لحوم الأضاحى كل منهم يعرف من يأخذها ليكون ركيزة فى الانتخابات، فالمريدون لا يظهرون وقت الإدلاء بالأصوات، بل إن الناخبين تتم تربيتهم على لحوم الأضاحى ومعاش مبارك وتأشيرات الحج والتليفونات، تلك السكك التى يعرفها الناخبون. كان أبوقورة يتخلص من كميات كبيرة من لحوم الأضاحى للمعتمدين عليه فى السيولة المالية مثل أم الشحات لأنهم الأقرب إلى الفقراء منه ودائرتهم أوسع، فكان دائماً نصيب أم الشحات كبيراً، وتعرف جيداً كيف تحتفظ به لدى الجيران وجيران الجيران كل منهم تعطيه كيساً أو كيسين لحين موعد سفرها إلى البلد رابع يوم العيد،، فتأخذ اللحم لتوزعه هناك على الأقارب ويظل الباقى تسحب منه لطعامها هى والشحات لخمسة أو ستة أشهر. ويعتبر العيد الكبير - عيد الأضاحى - موسماً مهماً جداً لأم الشحات، فهى حينما يعطيها أبوقورة كميات كبيرة من أكياس اللحوم تبيع منها بسعر بخس وهى لا تعلم أنها تخون الأمانة، ولكنها تقنع نفسها بنظريتها الاقتصادية، أنها تعين الفقير الذى لا يستطيع أن يدفع فى كيلو الضأن المشفى أربعين جنيهاً وبعضمه 35 جنيهاً، تعطيه إياه بعشرين جنيهاً أفضل بكثير من اللحم البرازيلى الذى لا تدخله أم الشحات بيتها، بينما يعيش عليه الأستاذ البندارى، مدرس الجغرافيا، فى مدرسة البنين الإعدادية والأستاذة إنصاف السماحى، مدرسة اللغة العربية بمدرسة بمباقادن الإعدادية، فهما دائماً فى طابور اللحمة البرازيلى رغم أن الأستاذة إنصاف همست لأم الشحات مرة وهى تستأذنها تأجيل قسط إيشارب حجابها وبنطلونات الأولاد لأول يناير لأن ديسمبر شهر العيد.. همست لها قائلة: والله يا أم الشحات أول ما المية تغلى، اللحمة البرازيلى تكش ولونها يغمق وتغيب ع النار ثلاث ساعات وفى الخضار لا ليها طعم ولا مرقة! وتدخل أم الشحات وتعطى الأستاذة أنصاف «كيسين لحمة ضانى مدبوح حلال» بعشرين جنيهاً للكيلو.. وتصرخ الأستاذة إنصاف التى لا يمكن أن يفكر أحد الخيرين فى الحى أنها أولى باللحمة من غيرها.. تصرخ وتهمس لأم الشحات: دى رخيصة جداً.. منين يا أم الشحات؟ وبسرعة وبعقلية اقتصادية لا تصل لزوليك، رئيس البنك الدولى، ترد: أصلى بادبح فى البلد وتقف اللحمة رخيصة.. وتفرح الأستاذة إنصاف.. وتسعد أم الشحات بارتفاع رصيدها فى نوتة الأستاذة إنصاف.. وتقنع نفسها بأنها فعلت خيراً لإعطائها لحم ضأن من أضاحى العيد للأستاذة إنصاف المدرسة الغلبانة التى لا تملك عقلية اقتصادية مثل عقلية الأستاذة إنصاف تلك المعلمة الشريفة التى تعطى دروساً مجانية لأولاد الحى الغلابة فى فصل فى بيتها وتقول لنفسها: «كله فى موازينى فى السما وربنا حيعوضنى خير فى عيالى» وتعتبرها زميلتها مدرسة العلوم سميرة الدالى »هبلة«، فسميرة أقامت فعلاً فى بيتها تعطى فيه دروس العلوم لتلاميذ الثانوى الساعة بعشرة جنيهات والفصل به عشرة أولاد وبنات تدفع منه قسط شقة عمارات دريم فى 6 أكتوبر حتى تخرج على »وش الدنيا« حينما تكبر بناتها الثلاث ليتزوجن خارج نطاق الحارة.. وأوصلتها إنصاف إلى بضائع أم الشحات، حيث الجينز للبنات ع النوتة.. وفى عيد الأضحى أوصلتها أيضاً لأم الشحات لتأخذ منها 4 كيلو لحمة ع النوتة. وهكذا يدخل الجميع تحت خيمة اقتصاديات أم الشحات حتى فى لحمة العيد.