حديث حكومى متكرر عن تطوير أرض مطار إمبابة، وعدم المساس بمساكن المواطنين والارتقاء العمرانى بها، ووعود بمشروعات تضم طرقاً ومراكز خدمية ومدارس ومناطق ترفيهية، وتوفير البنية الأساسية الكاملة من مياه وصرف صحى وكهرباء وتليفونات وغاز، وتوسعة للشوارع، وضمان قيمة تعويضات عادلة وبسعر السوق، تقابل على أرض الواقع تساؤلات منطقية، منها ما يتعلق بما وصفه المواطنون ب«التعتيم المتعمد» على خطط الدولة تجاه أرض مطار إمبابة، وتصاعد تكتلات وتحركات أهلية، تتباين الرؤى فيما بينها حول أساليب مواجهة الحكومة، وإعداد المواطنين لفكرة التطوير وما قد يترتب عليها من عمليات إزالة محتملة. تشكل السطور السابقة صورة لما رصدته «المصرى اليوم» فى جولتها بين أهالى وسكان منطقة أرض مطار إمبابة، الذين عبروا عن حيرتهم من التصريحات الرسمية وغير الرسمية التى تتناقلها وسائل الإعلام، وترد على ألسنة قيادات شعبية ومحلية بالمنطقة. أحمد عيد «صاحب محل تجارى» من سكان شارع محمود غنيم المجاور لأرض مطار إمبابة، أكد أنه لا يعرف حقيقة مشروع تطوير المنطقة والفائدة التى ستعود عليه من التطوير. وقال: «نحن معزولون تقريباً ولا يوجد من يهتم بنا، حتى إن لنا مدخلاً واحداً من خلال كوبرى أحمد عرابى، وبدلا من انتظار الحكومة، وفرنا المرافق والخدمات بالجهود الذاتية، ولدينا عقود ملكية، كما ندفع الضرائب والتأمينات، ورسوم النظافة على الرغم من أننا نتخلص من القمامة بأنفسنا دون تدخل الحى، وأدفع 25 جنيهاً نظافة شهرية عن المحل، و3 جنيهات عن الشقة». وأضاف: «ارتبطت أرزاقنا وأكل عيشنا بالمنطقة هنا، فهل أخذت الدولة ذلك فى الاعتبار، أو ما تكلفناه هنا، هل ستخرجنى الحكومة من بيتى وبيت أسرتى؟! أخشى من ذلك لكننى واثق أننى سأدفن تحت بلدوزرات الحكومة إذا أقدمت على الإزالة، وإذا حدث هل ستوفر لنا تعويضاً ومسكناً مناسبين، وعلى كل الأحوال إذا وفرت لنا السكن البديل، فماذا عن مصدر رزقنا؟». أما المهندس على يونس «من سكان شارع السوق» فيرى أن التطوير والتنظيم مطلوبان للارتقاء بالمنطقة، واعترض على فكرة الهدم أو الإزالة، وقال: «نحن مع التطوير وليس الإزالة، فأنا مولود هنا منذ 40 عاماً، وأولادى مدارسهم هنا، وعملى ومصالحى هنا، كلنا مرتبطون ببعضنا وبيننا نسب ومصاهرة، لأننا نعيش هنا بمنطق العائلة، ولكننا لا نعرف ما الذى تريده الحكومة، وما الذى تنوى فعله، والوقت المطلوب لتنفيذ ذلك». وأضاف: «إذا كانت هناك نية للإزالة أو تسكيننا فى أماكن بديلة، يجب أن يكون لدينا وقت كاف لتوفيق أوضاعنا، كما يجب التأكيد على أن أى قرار ستتخذه الحكومة بشأننا يستهدف ويحقق المنفعة العامة وليس مصلحة أفراد أو مستثمرين بعينهم، إضافة إلى أن التعويضات يجب أن تكون بسعر السوق، فلا يعقل أن أصرف «شقا عمرى» على بناء بيت ثم يعوضونى عنه بتراب الفلوس، وإلا سأحتاج 30 سنة لبناء منزل آخر فى ظل ارتفاع الأسعار وغلاء كل شىء». وأشار يونس إلى ما سماه «موجة الشائعات بالمنطقة»، حيث تسرى شائعات حول نية الحكومة إزالة المساكن المحيطة بأرض مطار إمبابة، وتسكين أصحابها وقاطنيها فى منطقة أبو رواش، وأوضح أنه فى حالة حدوث ذلك سيتبع السكان حى الوراق، ومحافظة أكتوبر بالتبعية، مما يعنى تغيير إثباتات الشخصية والأوراق الرسمية مما يزيد من معاناة الجميع - على حد وصفه. وربط أشرف حامد «مندوب مبيعات»، من سكان شارع السوق بين تنامى الشائعات فى الفترة الأخيرة وظهور ما سماهم ب«المنتفعين». وقال: «كفانا تهميشا وعزلة، فنحن عانينا كثيراً فيما مضى من البلطجية وقطاع الطرق، ومن مشكلات المياه والمرور التى لم تنته إلى الآن، وتحملنا كل ذلك وتمسكنا بالعيش هنا لأننا لم نجد بديلاً أفضل، وتأتى الحكومة الآن بعد استقرار أحوالنا لتقول إنها ستزيل بيوتنا وتخرجنا منها عند بدء التطوير». وأضاف: «مع كثرة الشائعات والتعتيم الحكومى على خطط التطوير، بدأت تظهر فى الفترة الأخيرة مجموعة من السماسرة المنتفعين، خصوصاً بعد توقف حركة البيع والشراء والإيجار بالمنطقة، وارتفاع أسعار الأراضى من 80 و100 جنيه إلى 3 آلاف جنيه للمتر». لجان تنسيقية وشعبية وحزبية، تشكلت منذ بداية الحديث عن تطوير أرض مطار إمبابة، منها لجنة التنسيق والمتابعة بشأن تطوير أرض مطار إمبابة، التى تأسست عام 2005، وتضم رموزاً من أهالى المنطقة، وخطباء مساجد، وممثلى عائلات بالمنطقة، وأعضاء بالحزب الوطنى، وبعض ممثلى الجمعيات الأهلية. يقول حلمى محمود سُبَل، منسق عام اللجنة، ل«المصرى اليوم»: «منذ عرفنا بنية الدولة تطوير المنطقة عام 2005، وبعد حصولنا على نموذج مشروع لتخطيط المنطقة، توجهنا إلى الجهات الرسمية لإبداء الرأى فى الموضوع لأنه حيوى ويمس حياتنا بشكل مباشر. وعقدنا لقاءات عديدة مع عبدالخالق عزوز، رئيس حى شمال الجيزة، الذى نفى وقتها وجود مخططات للتطوير، ثم قامت إحدى الشركات بعمل مسح لشوارع المنطقة عام 2006، ثم جاءت تصريحات الرئيس مبارك عن تحويل أرض المطار لهيئة المجتمعات العمرانية فى عام 2007، وبدأت تسرى شائعات عن أطماع رجال الأعمال فى المنطقة». ويضيف: «التقينا فى يوليو 2007 مجموعة من أساتذة التخطيط والدكتور فتحى ، محافظ الجيزة السابق، وأخبرنا بأن التطوير سيتضمن 27 فداناً مخصصة للمدارس والخدمات، و38 فداناً حديقة عامة، إضافة إلى 5 آلاف وحدة سكنية، ولم يتم شىء. ثم تابعنا تصريحات للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس هيئة التخطيط العمرانى، عن تطوير شمال الجيزة، والمشكلات التى تواجهها سيارات المطافئ والإسعاف فى الدخول إلى شوارعها، وتحدث عن خطة التطوير، لنكتشف أننا سنكون فى المرحلتين الأولى والثانية، أى أن 120 ألف مواطن فى وجه المدفع». وتابع: «من هنا كان يجب تشكيل اللجنة، والعمل على توعية المواطنين، دون «تسييس» للمسألة، وبعيداً عن الشعارات، أو المظاهرات والاعتصامات، ودون الوقوف فى وجه الحكومة، وبالتنسيق مع الحزب الوطنى، وهو الحزب السياسى الذى له تواجد بالمنطقة، فى ظل غياب تام لأعضاء مجلس الشعب بالمنطقة، كما أسسنا اتحاد ملاك ومستثمرين للمنطقة لضمان حقوق المواطنين، بنظام التفويضات، للتأكد من أننا سنحصل على التعويض المناسب والسكن البديل داخل حدود المطار بعد التطوير». وانتقد «سُبَل» الأساليب التى تتبعها تحركات شعبية وحزبية حول مشروع تطوير أرض مطار إمبابة، وقال إن المسؤولين عنها يسعون للظهور فى وسائل الإعلام وتعريض المواطنين إلى مشاكل لا صلة لهم بها، ولا يقدمون شيئاً ملموساً على أرض الواقع أو يقتربون من المواطنين فى منطقة أرض مطار إمبابة - على حد قوله. المهندس محمد صالح، رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة، يقول إن الحكومة تتعمد التعتيم على تفاصيل مشروع التطوير، لافتاً إلى أن هناك تضارباً فى تصريحات المسؤولين حول التطوير مما يزيد مخاوف المواطنين، على حد تعبيره، ويضيف أن محافظ الجيزة أعلن فى مؤتمر صحفى فى 27 نوفمبر الماضى أن وزارة الإسكان بصدد بيع 58 فداناً من أرض المطار للمستثمرين، وهو ما يتناقض مع تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس هيئة التخطيط العمرانى، عن بيع 83 فداناً. وبالتالى أقمنا دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان ومحافظ الجيزة، بسبب التعتيم المفروض على مشروع التطوير، حتى إن القرار الجمهورى الذى سمعنا عنه مؤخراً بتبعية الأرض لهيئة المجتمعات العمرانية لا نعلم عنه شئياً، وليس من حق المحافظ ولا رئيس هيئة المجتمعات العمرانية التصرف فى الأرض». وتابع «دعونا أهالى المناطق المحيطة بالمطار فى عزبة المطار ومدينة الأمل وبشتيل ومحور أحمد عرابى وغيرها، لتشكيل روابط للملاك وأخرى للمستأجرين، حتى يمكن للجميع التفاوض والحفاظ على حقوقهم، والحصول على تعويضات عادلة عن المنازل والمحال، لأن الحكومة والإدارات المحلية والمحافظة تخفى معلومات الإزالة حتى يفاجأ الجميع بها، ويفرضون عليهم تعويضات هزيلة، وغير عادلة، لصالح رجال الأعمال، والمقاولين الذين يسعون إلى نهب أرض مطار إمبابة على حساب احتياجات أهلها ومصالح أبنائها من أجل أرباحهم التى تقدر بالمليارات». وقال إن ذلك يحدث فى وقت كوّن فيه إسماعيل هلال، عضو مجلس الشعب، وأعضاء المجلس المحلى الذين ينتمون للحزب الوطنى لجنة مضادة للجنة الشعبية تحت اسم (اللجنة المصرية لتطوير إمبابة) وشعارها (معًا لتطوير إمبابة) لإضفاء شرعية زائفة على مشروع التطوير الذى لا نعلم عنه شيئاً، والذى لم يعرض على مجلس الشعب. وقال المهندس إسماعيل هلال، عضو مجلس الشعب عن دائرة إمبابة «وطنى»، رئيس الجمعية المصرية لتطوير شمال الجيزة، أنه اتخذ خطوات قانونية لإشهار الجمعية، وإنه تقدم ببيانين عاجلين لوزيرى الإسكان والطيران المدنى حول تطوير أرض مطار إمبابة، واتصل أكثر من مرة برئيس مجلس الوزراء. وحضر اجتماعا بين الرئيس مبارك وأعضاء مجلس الشعب عن الجيزة، ولقاءات متعددة مع المهندس أحمد المغربى، وزير الإسكان، ومع محافظ الجيزة، ووصف القائمين على «اللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة» بأنهم «منفلتون ليس لديهم خلفية عن أى شىء»، فيما اعتبر القائمين على لجنة التنسيق والمتابعة بشأن تطوير أرض مطار إمبابة «ملتزمين». وحول ما يثار عن التعتيم الحكومى على تطوير أرض مطار إمبابة قال: «من المعروف وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية أن تطوير المنطقة يتضمن إنشاء حديقة عامة، و48 مدرسة، ومبنى للشرطة والحى، و5 آلاف وحدة سكنية، وكوبرى أو محور علوى ناحية أحمد عرابى وربطه بالطريق الدائرى، وفتح مجموعة من المحاور فى إمبابة». وأضاف أن رئيس الجمهورية أكد أن المواطن الذى ستزال مساحته سيأخذ أفضل منها، شققاً أسفلها جراجات، وسوبر ماركت عالمى، إلا أن العمل لن يبدأ قبل الانتهاء من الوحدات السكنية، وفقا لتعليمات الرئيس لكل من وزير الإسكان ومحافظ الجيزة».