تجنبت كل من الهند وباكستان إبداء رد فعل مغالى فيه عقب حصار مومباى الذى استمر 3 أيام مخلفاً نحو 200 قتيل. ويبدو أنه كان من السهل على كلا البلدين أن يدركا أن الهدف الأساسى للإرهابيين هو إثارة ردود فعل متهورة بدافع الخوف مما يعزز تحقيق أهدافهم. ولحسن الحظ، أبدت هاتان الدولتان- اللتان تشهد علاقاتهما توتراً- نوعاً من ضبط النفس والمرونة حتى الآن. ولقد رأينا بالفعل أن الحياة فى مدينة مومباى الحيوية-التى تعد العاصمة الثقافية والاقتصادية للهند- قد عادت تقريباً لطبيعتها سريعاً، حيث أعيد افتتاح سوق الأسهم يوم الجمعة الماضية، وسط أجواء الأزمة، فيما تمتع وزير الخارجية الباكستانى بحنكة جعلته لم يسع لإلغاء زيارته للهند التى تزامنت مع وقوع الهجمات. ومن ناحيته، دعا رئيس الوزراء الهندى شعبه إلى التزام الهدوء، كى يمنع الأغلبية الهندوسية من الدخول فى مواجهة مع مسلمى البلاد البالغ عددهم نحو 140مليون مسلم. وفى باكستان، التى استعادت ديمقراطيتها فى وقت سابق من العام الجارى، حذر الرئيس آصف على زردارى قائلا: «علينا ألا نقع فى فخ المسلحين». ويبدو أن زعماء كلتا الدولتين الواقعتين فى جنوب آسيا يدركون أن عليهم أن يتجنبوا إبداء رد فعل مغالى فيه مثل ذلك الذى أعقب هجمات 2001 على البرلمان الهندى على يد مسلحين يشتبه فى أن لهم علاقات بباكستان. فبعدها، كانت الدولتان المسلحتان نووياً على وشك خوض حرب، إلا أنه تم تدارك الموقف عبر الدبلوماسية الأمريكية. ويبدو أن الإرهابيين الذين اقتحموا 10مواقع فى مومباى سعوا إلى إثارة رد فعل مماثل على أمل القضاء على أى فرص للسلام بين الهند وباكستان، خاصة بشأن كشمير المتنازع عليها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الجماعات الإرهابية التى تنشط فى باكستان، قد ترغب فى رد الصاع صاعين لزردارى بالنظر إلى الإجراءات الصارمة التى يفرضها عليهم. فهو يسعى أيضاً إلى كبح جماح عناصر فى المخابرات الباكستانية يشتبه فى تقديمهم الدعم للجماعات الإرهابية فى كشمير. وتدرك الهند وباكستان أن قدراتهما على رفع مستوى معيشة مواطنيهما من الفقراء ستتضرر إذا ما دخلتا فى مواجهة أخرى ساذجة. وفى ظل تعرض الدولتين لعدد من الهجمات من قبل جماعات لها مطالب، فعلى الدولتين أن تسعيا إلى إيجاد أرضية مشتركة، فالهند ترى الآن أن معظم الباكستانيين يتخذون موقفاً سلبيًا من الجهاديين. وبعد تلك الهجمات الأخيرة، فإن للهند كل الحق فى أن تطلب من الجيش الباكستانى معلومات عن جماعات يشتبه فى صلتها بأحداث مومباى، والتى يمكن أن تضم جماعة «عسكر طيبة». وما لم يتعاون الجيش الباكستانى مع قادته المدنيين، فعلى الولاياتالمتحدة أن تستخدم نفوذها وتساعد الهند فى التثبت من أن كل القوات الباكستانية لن تتغاضى عن أى نوع من أنواع الإرهاب. وآخر شىء يحتاجه العالم الآن هو هجوم أحادى الجانب من الهند على إرهابيين مشتبه فيهم داخل الأراضى الباكستانية. وعلى الرغم من أن تلك الهجمات تبدو مماثلة لتلك التى تشنها الولاياتالمتحدة على «القاعدة» و«طالبان» داخل الأراضى الباكستانية بعد هجمات 11 سبتمبر، فإن تاريخ الحروب بين الدولتين الجارتين من شأنه أن يستبعد اعتماد مثل هذه الأعمال الاستفزازية، التى من الممكن أن تثير حرباً نووية. ومن أفغانستان إلى سريلانكا (الغارقة الآن فى حرب أهلية مروعة)، نجد أن تلك المنطقة تحتاج إلى رد فعل واسع النطاق يعلو فوق المعايير القومية أو العرقية أو الدينية لمواجهة العدو المشترك المتمثل فى الإرهاب، مع العلم بأن هذا لا يعنى إبداء ردود فعل تروق للإرهابيين.