فى تلك اللحظة التى يمن الله علينا فيها بالأبناء، تنبت فى القلب شجرة للسعادة، تشبه إلى حد ما شجرة الخلود، التى أغوت سيدنا آدم وكانت سبباً لخروجه هو وزوجه من الجنة. سعادة الأب بابنه تجعله مختاراً أو مضطراً فى بعض الأحيان لأن يضحى بسعادته الخاصة، بأحلامه، بسهره وسفره وحريته من أجل توفير حياة أكثر أماناً لابنه.. يريد أن يضع المستقبل فى خزينة موصدة لا يفتحها إلا الابن عندما يشتد عوده، فلا يعانى ما عاناه الأب. الأبناء زينة الحياة الدنيا، من أجلهم نقضى أيامنا نلهث حتى نفرح بهم ولهم، ولكن بعضنا يخطئ الفهم والطريق، وحين يجىء وقت الحصاد، وقت أن يورق الشجر، يمد يده ليقطف الثمر، فيجد يديه ملوثتين بدماء من يحب، ويكتشف أن من ضحى بالعمر والحلم من أجله قد راح فى لحظة، وأن القلب الذى تألم حباً يتألم فراقاً، وأن أكثر ما يؤلم أننا نؤذى ونضيع من نحب، بفهمنا الخاطئ للحب، ولأسلوب التعبير عنه. داخل شقة فاخرة فى «كمبوند» بالشيخ زايد، قتلت فتاتان فى أحلى سنوات عمرهما، مزقت جسديهما سكين جاهلة أو منتقمة فى لحظة وهى مغموسة فى مخدر أو إحباط وضياع. فتاة منهما ابنة مطربة معروفة، انشغلت بحياتها الخاصة، بزيجاتها المتعددة، بسهراتها وحفلاتها الغنائية، معتقدة أنها طالما وفرت المال والسيارة لابنتها، فعلت لها كل ما يجب أن تفعله أم، وهى لا تدرى ما إذا كانت ابنتها قد تزوجت سراً منذ أكثر من عام.. لا تدرى ماذا تفعل ابنتها ومع من تسهر وإلى أى طريق تسير! أما الفتاة الأخرى، فوالدها يعيش فى السعودية منذ 18 عاماً، منح ابنته المال، فاشترى لها الشقة الفاخرة، موطن الجريمة، وسيارتين، وراتباً شهرياً 5 آلاف جنيه، ولكن حرمها الحنان والأمان. اعتقد أنه يضحى بسعادته فى وطنه، مضحياً بسنوات عمره فى بلاد بعيدة حتى يضمن لها المستقبل، فى حين أنه كان يرسم لها طريق النهاية القاسية. فتاتان فى شقة واحدة، تجمعهما مع الأصحاب والسجائر المشبوهة، والسهر والأحلام الضائعة، فى غياب الحضن والعقل.. مثلهما آلاف الفتيات والأولاد فى الشوارع والملاهى والمقاهى، يعيشون كل الضياع، فيما انشغل الآباء بجمع المال لشراء المستقبل.. لكن المال لا يشترى الحب ولا الأمان ولا النصيحة. الحياة صعبة وقاسية، لكن المال وحده لا يصنع أمانا ولا أخلاقاً.. الأبناء فى حاجة إلى صوت الأب، إلى عقله واحتوائه، إلى قلبه وحنانه! تجرفنا الأيام، تضللنا الأحلام، ولكن مثل هذه الجريمة البشعة، صفعة على عقولنا المغلقة، لعلنا نفهم ما الذى يحتاجه أبناؤنا، وما الذى يجب أن نقدمه لهم! ■ ■ ■ توضيح: لكل الأصدقاء فى التفاعلى الذين فهموا ما كتبته عن «أزمات التفاعلى»، بصورة مغايرة لما قصدت، فلم أكن غاضباً أو مهدداً، ما كتبته كان نتيجة لحوارى مع العديد من الكتاب والمسؤولين فى أكثر من صحيفة، وما قصدته كان دعوة للحوار والاختلاف فى الرأى مع الحرص على الاحترام المتبادل لرأى الكاتب والقارئ، دون تهديد أو تخوين.. دمتم لنا. [email protected]