قرأت فى الصحف يوم 19/11 الخبر الآتى: أجرى مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء بحثاً على ثلاثة آلاف مواطن مصرى من جميع شرائح المجتمع، للتعرف على منظومة القيم التى تحكم المجتمع المصرى وتشكل وجدانه بالنسبة للمجتمعات الأخرى التى تمثل 55 دولة حول العالم، والنتائج التى قرأتها أصابتنى بالذهول، ومن بين النتائج نتيجتان أصابتانى بالدهشة الطاغية. الأولى: إن 98٪ من المصريين يعتزون بجنسيتهم المصرية ومنهم 73٪ «فخورون جداً» بها، وهكذا احتلت مصر المرتبة الأولى بين شعوب العالم فى الاعتزاز والفخر. الثانية: «إن المصريين أكثر شعوب العالم سعادة» بنسبة 84٪، والأدهى أن 10٪ يشعرون «بالسعادة الطاغية» ونسبة التعساء لا تتجاوز 16٪ وهكذا احتلت مصر المرتبة السادسة فى السعادة، ومش أى سعادة «الطاغية»!! والسبب فى هذه السعادة الطاغية أن 72٪ من المبحوثين قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتى بدخولهم من غير سلف ودين، وأن مصر برضه احتلت المركز الثانى فى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الدخول، لكن فى آخر التقرير جملتين عن أن 61٪ من المبحوثين أنفسهم ينتظرون توفير احتياجاتهم من الحكومة!! وهنا المسألة «عكت» فى دماغى، طيب منين السعداء المكتفين ذاتياً 71٪ والتانيين المنتظرين توفير احتياجاتهم من الحكومة 61٪؟.. طبعاً مش ممكن يكون مجلس الوزراء غلطان ولا مركز المعلومات بيضرب أبحاث ونتائج وإحصائيات عشان يكتبها فى الجرايد. لابد ولازم وأكيد أنا اللى عقلى على قدى.. وصدقت وفرحت وجاتلى سعادة طاغية، ومشيت فى الشوارع وأنا أرفع لافتة مكتوباً عليها «مصر أول شعوب العالم فى الاعتزاز والفخر بمصريتها، وسادس شعوب العالم فى الشعور بالسعادة الطاغية، وثانى شعوب العالم فى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الدخول». ولكن مواطناً من القلة المنحرفة أعداء النجاح وقفنى وسألنى: إذا كنا أول شعوب العالم فى الاعتزاز والفخر ليه الشباب بيهرب من البلد، ويضطر يبيع صيغة أمه ويسافر على مركب ويغرق على سواحل المتوسط؟ وليه الشباب هاجر إسرائيل، ومنهم اللى قال إن اليهود ناس «محترمين» وعندهم ديمقراطية وفرص عمل؟ وليه الأطباء المصريين بيروحوا السعودية ليصبحوا عبيداً للكفيل ويتسجنوا ويتعذبوا ويجلدوهم 1500 جلدة فى الميادين العامة واللى ما يشترى يتفرج؟ قلت له مش مهم الاعتزاز والفخر كفاية إن ترتيبنا السادس فى السعادة الطاغية، هنا قال هذا المواطن المغرض السوداوى: وهو مركز المعلومات سأل سكان الدويقة ولا سكان العشوائيات ولا أطفال الشوارع اللى بيناموا تحت الكبارى ويأكلوا من الزبالة، ولا عمال النظافة اللى بيمدوا إيديهم يشحتوا جنيه من العربيات ولا الستات اللى بتشترى كيلو رجلين فراخ تعمل لعيالها شوربة، ولا أطفال المدارس اللى اتفقعت عينهم واتكسرت سنانهم واللى مات من الضرب واللى ماتت من الخوف، ولا البنات والستات اللى اتعرضوا للتحرش فى الشوارع وفى أقسام البوليس ولا.. هنا صرخت فى وشه وقلت له: خلاص بلاها سعادة طاغية كفاية علينا المرتبة الثانية فى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الدخول.. وهنا ابتسم الرجل المغرض وسألنى فى مودة شديدة وصدق أشد: البعيدة هبلة ولا شكلك كده؟