على الرغم من أن الحوار بين ممثلى التيارات الإسلامية على اختلافها وباحثى المؤسسات الأكاديمية الغربية المهتمة بشؤون السياسة العربية لم يعد بالأمر الجديد أو نادر الحدوث، فإنه ما لبث يتسم بالعمومية وبمراوحة الخطاب لدى الطرفين بين أضلاع ثلاثية النقد والشك والاتهام. الإسلاميون، من جهة، يوظفون حوارهم مع المؤسسات الغربية لإيصال مضامين ثلاثة رئيسية: 1) أن تياراتهم تؤمن بالفكرة الديمقراطية وتلتزم ممارستها، ومن ثم ترغب فى دفع الإصلاح الدستورى والسياسى فى المجتمعات العربية إلى آفاق بعيدة. 2) أن النخب السلطوية الحاكمة هى المسؤولة بمفردها عن تعثر الإصلاح واستمرارية غياب الديمقراطية. 3) أن الغرب بدعمه النخب الحاكمة يتحمل مسؤولية بقاء احتكارها السلطة وتهميش التيارات الديمقراطية وفى مقدمتها الإسلاميون. أما الباحثون الغربيون فدوماً ما يركزون فى حواراتهم مع الإسلاميين على التساؤلات التالية: 1) كيف للغرب أن يثق فى التزام التيارات الإسلامية بالديمقراطية وثمة العديد من الممارسات الشمولية والقمعية التى تورطت بها حكومات يديرها الإسلاميون. 2) كيف للحكومات الغربية أن تتخلى عن تحالفها مع النخب السلطوية الحاكمة، وهو ضمانة رئيسية لمصالحها الحيوية بالعالم العربى، وفى لحظة لا معارضات فعالة بها سوى التيارات الإسلامية، وتلك تعهدت مراراً بمحاربة مصالح الغرب. 3) هل من الواقعية تصور انفتاح الغرب الملتزم بأمن إسرائيل استراتيجياً على تيارات إسلامية ما لبث العدد الأكبر منها يرى فى تدمير الدولة العبرية هدفاً أساسياً. وواقع الأمر أن القناعات الفكرية والسياسية الكامنة وراء مضامين الإسلاميين وتساؤلات الباحثين الغربيين هذه لا تملك حال استمرارها القدرة على دفع الحوار بين الطرفين نحو وجهة أعمق وأكثر تحديداً. يدرك ممثلو التيارات الإسلامية أن رغبتهم فى الإصلاح الدستورى والسياسى لا تخفى أن ثمة معضلات حقيقية تحول بين بعض تياراتهم وبين التزام الديمقراطية كفكرة وممارسة. فبينما تعنى الديمقراطية أن المرجعية النهائية للعملية السياسية هى الدستور والتشريعات الرسمية، يضع بعض الإسلاميين الشريعة فوق الدستور والقانون. من جانبهم، يتعين على الباحثين الغربيين التمييز فى سياق تساؤلهم حول مدى جدية التيارات الإسلامية بشأن الديمقراطية بين الحالات التى وصل بها الإسلاميون إلى الحكم دون الآلية الانتخابية ودون خطاب ذى مفردات ديمقراطية واضحة، كما فى إيران والسودان، وبين خطاب وممارسات الإسلاميين المنتخبين فى البرلمانات العربية، وتلك تدلل بوضوح على التزامهم قواعد اللعبة التعددية والإجراءات الديمقراطية حال تواجدها. أما المقولات الإسلامية حول ازدواجية معايير الغرب، وتعويل حكوماته على تحالفاتها مع النخب السلطوية لحماية مصالحها فى العالم العربى، وما يقابلها من تشديد الأكاديميين الغربيين على الخوف من تداعيات تنامى دور الإسلاميين وبكل تأكيد احتمالية وصولهم إلى الحكم على المصالح الغربية الحيوية ومسألة أمن إسرائيل - فتعكس مجتمعة مخاوف حقيقيةً لدى الطرفين لا فكاك سريعًا منها. هنا لا بديل حال استمرار ازدواجية معايير الغرب وكذلك الخطاب الإسلامى المعادى له، وهو المرجح، سوى أن يعمل الطرفان على البحث عن مساحات جزئية للتوافق بعيداً عن المشهد الإقليمى بتعقد صراعاته ومصالحه، وقناعتى أن مثل هذه المساحات حاضرة حين النظر إلى قضايا السياسة الداخلية وكيفية دفعها بمسار إصلاحى تدرجى يعمق المشاركة والحرية دون أن يرتب مباشرةً استبدال النخب الحاكمة بالإسلاميين.