خبر سار من نقيب الفلاحين بعد توريد 1.5 مليون طن من القمح.. وخبير زراعي يُعلق    شهداء وجرحى جراء قصف الاحتلال شقة سكنية قرب مفترق السامر بمدينة غزة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 جنود في قصف طال قاعدة عسكرية قرب كرم أبو سالم    إعلان بانجول.. تونس تتحفظ على ما جاء في وثائق مؤتمر قمة التعاون الإسلامي بشأن القضية الفلسطينية    هل استحق الزمالك ركلة جزاء أمام سموحة؟.. جهاد جريشة يجيب    بعد خماسية إنبي.. رئيس البنك الأهلي يكشف حقيقة رحيل طارق مصطفى    حبس عاطلين بتهمة قتل عامل وإلقاءه داخل مصرف بالقليوبية    ضبط مسجل خطر حاول اختطاف طفل من أمام منزله بشبرا الخيمة    بعد إصابة 10 أشخاص.. قرارات النيابة العامة في حادث انقلاب ميكروباص بالقليوبية    "وفيها إيه يعني".. فيلم جديد يجمع غادة عادل وماجد الكدواني    مئات يحتجون في ألمانيا على عرض لمغنية الأوبرا الروسية آنا نيتريبكو    بوتين يحقق أمنية طفلة روسية ويهديها "كلب صغير"    لافروف: الغرب لا يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا    فى ليلة شم النسيم.. إقبال كثيف على محلات بيع الفسيخ فى نبروه||صور    يمن الحماقي: لا توجد استراتيجية واضحة للصناعة في مصر.. وكل قطاع يعمل بمفرده    قبل معسكر الفراعنة.. «الجبلاية» يلبى طلبات الجهاز.. و«علام»: ندعم المنتخب للتأهيل للمونديال    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    خالد مرتجي يرد على مريم متولي: محدش كلمك ومش هترجعوا الأهلي.. فيديو    أستاذ اقتصاد: المقاطعة لعبة المستهلك فيها ضعيف ما لم يتم حمايته    الأوقاف: التبرعات ممنوعة بالمساجد .. ورقابة على صناديق النذور | فيديو    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    مصرع وإصابة 6 في حادث انقلاب تروسيكل بمطروح    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    ردا على إطلاق صواريخ.. قصف إسرائيلي ضد 3 مواقع بريف درعا السوري    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    الباشا.. صابر الرباعي يطرح برومو أغنيته الجديدة    مدير مكتبة الإسكندرية: الوثيقة لها نظام معين في العرض وليست متاحة للعامة    الميزانية السعودية تحقق بالربع الأول العام إيرادات بلغت 293.4 مليار والعجز 12.4 مليار ريال    3 قتلى و15 مصابًا جراء ضربات روسية في أوكرانيا    مصر في 24 ساعة|اعرف طقس شم النسيم وتعليق جديد من الصحة عن لقاح أسترازينيكا    رياح قوية وسقوط أمطار .. الأرصاد تكشف توقعات طقس الغد على سواحل مطروح    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    3 ظواهر تضرب البلاد خلال ساعات.. «الأرصاد» تحذر من نزول البحر    فلسطين تزين مسيرة سام مرسي قائد إيبسويتش تاون    موعد مباريات اليوم الإثنين 6 مايو 2024| إنفوجراف    طارق مجدي يدير مباراة الجيش والمصرى بالدوري    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    عمرو أديب: «مفيش جزء خامس من مسلسل المداح والسبب الزمالك» (فيديو)    أمين الفتوى: الله شرف مصر أن تكون سكنا وضريحا للسيدة زينب    نقابة البيطريين تحذر من تناول رأس وأحشاء الأسماك المملحة لهذا السبب    عضو الجمعية المصرية للمناعة يقدم نصائح طبية قبل شم النسيم (فيديو)    لدعم صحة القلب والتخلص من الحر.. 5 عصائر منعشة بمكونات متوفرة في مطبخك    منافسة بين آمال وأنغام وشيرين على أغنية نجاة.. ونبيل الحلفاوي يتدخل (فيديو)    فحص 482 حالة خلال قافلة طبية مجانية في الوادي الجديد    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البديل ليس نظاما ثوريا
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 05 - 2013

هل سمع أحد فى معظم تجارب التغيير الناجحة عن تعبيرات من نوع التطهير والمحاكم الثورية، وغيرهما من المفردات التى استخدمها بعض قوى المعارضة جنبا إلى جنب مع جماعة الإخوان المسلمين؟ الإجابة ستكون ب«لا»، صحيح أن كثيرا من تجارب الاستبداد استخدمت هذه المفردات، سواء فى الثورة الشيوعية فى روسيا 1917، أو فى تجارب الاستبداد العربية فى طبعتها القذافية أو البعثية أو الماركسية (فى اليمن الجنوبى تحول الصراع الطبقى إلى صراع قبلى سقط فيه عشرات الآلاف من الضحايا)، فهى كلها تجارب قمعت شعوبها وسجنت وقتلت خصومها السياسيين تحت حجة حماية الثورة والشرعية الثورية.
ولذا لم يكن غريبا أن يعرف العالم فى النصف قرن الأخير خبرات ومفردات جديدة من نوع العدالة الانتقالية بديلا عن المحاكم الثورية، والنظم الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات بديلا عن النظم الثورية.
ومدهش أن يرتدى الإسلاميون المحافظون والإسلاميون الوسطيون الإصلاحيون ثوب الثورية والانتقام الثورى من الدولة والخصوم السياسيين، ويعيدوا تكرار تجارب الفشل والاستبداد، فمصر ليست فى حاجة إلى رئيس ثورى ولا نظام ثورى، إنما إلى رئيس مؤمن بقيم ومبادئ الثورة، ويعتبرها وسيلة وليست هدفا لبناء نظام سياسى ديمقراطى وتقدم اقتصادى واجتماعى.
المدهش أن المعركة الدائرة الآن مع القضاء كان أبطالها فى سبتمبر 2011 شباب التيارات المدنية ورموزها، حين رفعوا نفس شعارات الإخوان الآن «تطهير القضاء» ونزلوا فى مليونيات غاب عنها الإخوان، لتحقيق هذا الشعار المدمر، ودارت الأيام وتغيرت الحسابات والمواقع، وعاد من شارك فى مظاهرات القوى المدنية من أجل «تطهير القضاء» ليرفض مظاهرات الإخوان وأجندتهم فى «تطهير القضاء» فى مفارقة لافتة.
ورفع البعض شعار «المحاكم الثورية»، التى تشكل وفق معايير سياسية وليست قانونية، وعادة ما تفضى إلى سياسة انتقامية تبدأ بمواجهة رموز النظام السابق وتنتهى بمواجهة التيارات الثورية نفسها، ولا توجد تجربة واحدة أسست لشرعية ثورية فى العالم كله بنت نظاما ديمقراطيا، ولولا وجود بعض من حافظ على مسطرة واحدة للقياس، ورفض بشده فكرة هذه المحاكم لكان أولى ضحاياه هم نفس الشباب الذين رفعوها بحثا عن نقاء ثورى لم يوجد فى تجربة إنسانية واحدة.
إن الحديث عن المحاكمات والنيابات الثورية فى مصر كارثة حقيقية لأن أول من سيدفع ثمنه الثوار أنفسهم، لأنها ستشكل وفق توازنات القوى السياسية السائدة حاليا، وستعطى فرصة لمن فى السلطة أن يؤثر فيها، ويوظفها فى مواجهة المخالفين فى التوجه من التيارات المدنية والائتلافات الثورية.
إن مصر ليست بحاجة إلى محاكم ثورية، إنما إلى محاكمات قانونية عادلة وناجزة، تؤسس فيها لعدالة انتقالية تبدأ بتشكيل لجنة قضائية مستقلة مهمتها جمع الأدلة وتوثيقها لمحاسبة كل من يثبت أنه ارتكب جريمة بحق هذا الشعب من رموز النظام القديم والجديد، ومن أداروا المرحلة الانتقالية من المجلس العسكرى ومن فى خارجه، وتؤسس لعدالة تقوم على الإنصاف والمصالحة كما حصل فى جنوب أفريقيا وكثير من دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية، وهو أمر له قواعد ومسارات كتبت فيها عشرات الكتب والبحوث. لقد قامت هذه التجارب أولا بإنصاف كل ضحية بالقانون وأعادت له حقوقه وجعلته راضيا مرضيا، ثم عملت على إحداث مصالحة بين من ارتكبوا جرائم وبين المجتمع، ثم بين أهالى الضحايا والمصابين وبين أهالى من ارتكبوا هذه الجرائم، حتى تعود اللحمة بين أبناء الوطن الواحد ويتقدم للأمام لا أن يبقى أسير الانتقام وتصفية الحسابات.
والمؤسف أن البعض لايزال يحرص على أن يبدأ الفيلم من أوله من حيث عاشت أفغانستان والسودان تجارب فاشلة تحت غطاء الدين، والبعض الآخر لايزال يبحث عن نظام ثورى يكرر به تجارب فشل أخرى، من حيث بدأ ستالين وصدام حسين والقذافى وبشار الأسد، وكل التجارب التى حصنت استبدادها تحت مسمى النظم الثورية.
إن الثورة حدث استثنائى كبير تضطر إليه الشعوب حين تشعر بالقهر والتهميش، وبعدها تصبح مهمتها هى بناء الديمقراطية ودولة العدل والقانون، وليس دولة الثورة والقوانين الاستثنائية.
الثورة لا تستدعى حسب الطلب والمصلحة، واحترام القانون هو فى صلب مبادئها وأهدافها، والمشكلة ليست أساسا فى شخوص النظام القديم الذين يتحدث عنهم الإخوان صباحا ومساء، إنما فى المنظومة القديمة التى حمت وأنتجت هؤلاء، ولن تتقدم مصر إلا حين تتغير تلك المنظومة التى مازالت تقريبا كما، هى رغم تغيير الأشخاص والرموز من رجال الحزب الوطنى إلى رجال الإخوان.
لقد أخذ الخطاب الثورى فى مصر بعدين: الأول احتجاجى شاب يمكن تفهمه عقب ثورة أشعلها الشباب، وسيستمر فى مسارين أحدهما صوت احتجاج ورفض لا يعرف إلا خطاب «يسقط الرئيس القادم»، والثانى صوت ضمير وقوة ضغط على السياسيين إذا انحرفوا عن مسار الديمقراطية ودولة القانون، أما الشق الثانى فهو خطاب «ثوار بعد الثورة» ومدعيها الذين ركبوا الموجة الثورية رغم أن كثيرا منهم كانوا متواطئين مع نظام مبارك وسيسقطون قريبا كما سقط.
إن الثورة فى تاريخ أى مجتمع من المجتمعات حدث استثنائى وهى ليست هدفا ولا غاية إنما هى وسيلة لتحقيق هدف آخر هو تقدم ونهضة المجتمع، وهناك تجارب أخرى كرست فيها الثورات لنظم استبدادية تحت مسمى الشرعية الثورية والقرارات الثورية والحفاظ على الثورة من أعدائها، وكانت أسوأ من النظم التى ثارت عليها.
والحقيقة أن المجتمعات التى لم يشعر فيها قادة التغيير أن على رأسهم ريشة لأنهم «ثوار» وأسسوا لنظم ديمقراطية فاعلة وكفؤة، هى التى تقدمت، فى حين أن تجارب الفشل الذريع هى التى أسست لشرعية ثورية ومحاكم ثورية وإجراءات استثنائية، فهناك فارق جذرى بين قوى وتيارات تؤمن بقيم ومبادئ الثورة وتسعى من خلالها إلى تغيير المجتمع وتحسين ظروف الناس، وبين قوى وتيارات توظف الثورة حسب الطلب والمصلحة فتتخلى عنها حين تكون مصلحتها مع الديمقراطية ودولة القانون وتستدعيها حين تكون طريقا للهيمنة والاحتكار.
إن أى حديث عن الشرعية الثورية وحماية الثورة بعد الوصول للسلطة هو توظيف للأولى لحماية الأخيرة، ولا يمكن تحصين قرارات الرئيس الذى وصل بالصندوق وبآليات ديمقراطية بشرعية ثورية وإلا سنكون أسسنا لواحد من أسوأ النظم الاستبدادية فى العالم كله، لأنه سيحصن نفسه بشرعية الدين والثورة معا. أما من يعارض هذه الإجراءات فيجب أن يعارضها دفاعا عن الديمقراطية وبناء دولة العدل والقانون وليس نكاية فى الإخوان ولا لأنه فى المعارضة وخارج السلطة.
البديل هو نظام إصلاحى ديمقراطى مدنى مؤمن بقيم الثورة ومبادئها، وليس ثوريا يحصن سياساته وتسلطه باسم الثورة، أو يعطى لنفسه حقوقا استثنائية لأنه معارض ثورى: من إلقاء المولوتوف إلى تخوين المخالفين فى الرأى (ولو كانوا من نفس فريقه)، هذا البديل يجب أن يعمل على إصلاح مؤسسات الدولة لا هدمهما أو الانتقام منها وهذا ما غاب عن مصر.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.